قلت : كل ذلك حق ، ولكن لا ملازمة بين المدّعى ، من اعتبار قيد الايصال ، وبين ما ذكرتم ، من كون الحصول من آثار المقدمة ؛ فانا نقول : ليس الاثر المترتب على المقدمة الا التمكن ، ولا يحصل من ناحيتها غير ذلك ، ولكن حيث ان مجرد هذا ليس وافيا بالغرض ، فان الغرض حصول ذي المقدمة لا مجرد التمكن ، فيحتاج الى ضميمة عنوان الايصال الى المقدمة ، فتصير المقدمة مع هذا القيد الخارج عن حقيقة المقدمة وافيا بهذا الغرض ، وليس هذا قولا بأن الوصول من ناحية المقدمة ، بل نقول : اذا اتى بجميع المقدمات ولم يبق سوى مبادي اختياره في ذي المقدمة فيصح حينئذ قطعا الامر بعنوان الايصال ، بان يقول : «أوصل هذه المقدمات بذي المقدمة وأوجد الهيئة الاتصالية بين الوجودين» فنقول كما يصح هذا الامر مستقلا ويكون امرا بما هو تحت اختيار المكلف ومقدوره ، كذلك يمكن جعل الامر المقدمي من الاول متعلّقا بالمقيد بعنوان الايصال والمقدمة الموصوفة بكونها واصلة الى ذي المقدمة ، لاجل ان الغرض هو حصول ذي المقدمة ، وهو غير متأت الا في هذا المقيد.
وبهذا يظهر الجواب عن التقريب الثاني للبرهان المؤلف على هيئة الشكل الاول.
فظهر أن الجواب البرهاني غير موجود في الباب ، فينحصر في الاحالة الى الوجدان ، فيقول الخصم : الوجدان حاكم بان ملاك الامر المقدمي ليس مجرد المقدمية والتمكن من ذي المقدمة من دون حصولها ، ولا يرد عليه احد البرهانين على مبناه. هذا.
ونقول نحن : صريح الوجدان قاض بانه لا ملاك له سوى المقدمية والتمكن ، ولهذا يسقط الامر المقدمي بنفس اتيان المقدمة.
وحاصل الاشكال أن الاكوان الخاصة اعني الكون الصعودي من الدرجة الاولى من السلّم ومن الدرجة الثانية وهكذا ليست مفضية ومؤدّية الى الكون على السطح ، وكذلك الاكوان الخاصة في حال المشي في كل واحد من اجزاء الطريق بالنسبة الى الكون في المكان المقصود ، بل الكون الاخير في الصورتين يكون في عرض تلك الاكوان ، وليس حال تلك الى هذا كحال حركة اليد الى الفتح او القتل وحال الالقاء الى الاحراق ، بل كلها افعال اختيارية في عرض واحد ، نعم لا يتمكن من الكون بدون تقدم تلك الاكوان ، لاستحالة الطفرة ، فحالها كحال الأجنحة بالنسبة الى الطيران ، ففاقد الأجنحة وواجدها يكون فرقهما في تمكن الثاني من الطيران وعجز الاول ، وان شئت قلت في قرب الثاني منه وبعد الاول ، لكن لا ترتب بين وجود الاجنحة ووجود الطيران ، بل وجود الطيران مترتب على وجود ارادته في الفاعل.