المشروط يجب التحرك نحو كل من الفعل ومقدماته على حسب ما جعل له من المحل ، فان كان محل الفعل قبل الشرط يجب الشروع فيه قبله ، وان كان بعده فبعده ، وان كان مقارنا له فمقارنا ، فعلى هذا متى علم ان هذا الآن الذي هو فيه آن حصول الغصب والاغتراف تجب عليه المبادرة بالوضوء ليصير وضوئه مقرونا بالاغتراف.
هذا على تقدير اخذ الشرط نفس الفعل الخارجي.
واما لو اخذ العنوان الانتزاعي فاعلم ان العنوان الانتزاعي يكون حاصلا للمكلف وهو نائم ، بل قبل تولده ، ويكون من القدماء ، لوضوح ان كون زيد ممن يغترف من الآنية الغصبية كان في علم الله من الازل ككونه ممن يولد ويكبر ، فلا يكون اختيار قلبه تحت قدرة المكلّف ، وفرض عدم اختيار المكلف للفعل فرض خلف هذا العنوان وانه لم يكن من الازل بل كان نقيضه ، واما مع فرض كونه من الازل فلا يمكن قلبه ، هذا ، مع ان نفس الفعل الخارجي يكون مقدورا له ، وليس مجرد كونه ممن يعصي في علم الله سببا لكونه غير قادر على الفعل ، لوضوح ان العصاة قادرون ، مع كونهم متّصفين بالعصيان الى آخر العمر ، فيكشف عن تحقق عنوان يعصي فيهم.
وبالجملة فتكليف «لا تغصب» وان كان لا بد وان يكون بلا اطلاق ولا تقييد بالنسبة الى هذا العنوان الانتزاعي كما ذكرنا كنفس الفعل الخارجي ، لكن الفرق انه كان يتشبث بذيل الفعل الخارجي يد التكليف واقتضائه لمكان مقدوريته ، ولا يمكن ذلك في الانتزاعي ، لعدم المقدورية ، فلا يمكن ان يقال هنا : ان تكليف «لا تغصب» يقتضي قلب عنوان يعصى بلا يعصى ، وتكليف توضّأ ، يقتضي الوضوء ، مع فرض حفظ عنوان يعصى بدون اقتضاء له في نفس هذا العنوان وجودا وعدما ، حتى لا يرجع مآل التكليفين الى اقتضاء الجمع.
واذن فنقول الشخص الذي يعصى ويغترف في علم الله يكون تكليف «لا تغترف» بالنسبة اليه فعليا ، لما قلنا من ان فرض كونه كذلك لا يخرجه الى القهر بالنسبة الى الفعل الخارجي ، وإلّا لزم ان لا يكون العصاة مكلّفين ، نعم لا يمكن ان يكون هذا التكليف متوجها اليه بعنوان انه ممن يغترف ، بل بعنوان انه احد المكلفين ، وكذلك يكون تكليف «توضّأ» ايضا بالنسبة اليه فعليا ، لفرض حصول شرطه من كونه ممن يغترف ، فاجتمع فيه تكليفان : احدهما بعنوان ايّها المكلف ، والآخر بعنوان ايّها الذي تغترف ، فمقتضى الاول لا تغترف ايّها المكلف ، ومقتضى الثاني لانك كنت ممن يغترف فتوضّأ ، فقد اقتضى التكليفان جمع الضدين ، ولا يرفع غائلة محذور التكليف بالضدين جمعا ما فرضنا من كون المكلف قادرا على ترك الاغتراف ، فان مجرد قدرته لا يرفع قبح صدور التكليف بهذا المنوال من الشارع.