ومع أنّ هذا هو الظاهر المتبادر ، إلّا أنّ ثمّة احتمالاً آخر وهو : أنّ الصراط كناية عن الطريق الذي يختاره كلّ من المؤمن والكافر في هذه الدنيا ، فالطريق الذي اختاره المؤمن يوصله إلى الجنة ، والطريق الذي اختاره الكافر ينتهي به إلى نار جهنم.
والمعنى الأوّل هو الأوفق بالظواهر ، ولكن المعنى الثاني أيضاً محتمل ويؤيّد الاحتمال الثاني ما روي عن علي عليهالسلام أنّه قال :
«وَإِنَّ الْخَطايا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْها أَهْلُها وَخُلِعَتْ لُجُمها فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النّارِ وَإِنَّ التَّقْوى مَطايا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْها أَهْلُها وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها فَأَورَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ». (١)
وهذا التعبير من الإمام يؤيد الاحتمال الثاني ، وهو أنّ الطريق الذي يسلكه كلّ من المؤمن والفاجر هو صراطهما في النشأة الأُخرى ، فيوصل أحدهما إلى الغاية المنشودة والآخر إلى النار. فكلّ مَن اختار طريق الطاعة فهو يوصله إلى الجنة ، ومن اختار طريق العصيان فهو يوصله إلى الجحيم. فصراط كلّ إنسان هو الطريق الذي يسلكه في النشأة الدنيا ، ثمّ يتجسّد في الآخرة فيجتازه إمّا إلى الجنة أو إلى النار. ومع ذلك كلّه فالاحتمالان على حدّ سواء عندنا دون أن نجزم بأحدهما ، وإن كان الاحتمال الثاني ـ كما قلنا ـ يؤيّده قول أمير المؤمنين عليهالسلام.
والذي يستفاد من قول أمير المؤمنين عليهالسلام انّ طريقي الجنة والنار في الواقع يبدءان من الحياة الدنيا وينتهيان بالآخرة إلى الجنة أو النار ، وليس كما يتصوّر أنّه يوجد على جهنم طريق وصراط لا بدّ للجميع من عبوره والمرور عليه ، بل أنّ الإنسان الذي يختار في الحياة الدنيا طريق الصلاح والتقوى والورع فإنّه في الآخرة
__________________
(١). نهج البلاغة : الخطبة ١٦.