وإن قالوا : نحن لا نطلق اسم الجسم على غير ما ذكرناه ؛ مع تسليمهم وجود الجسم لغة فيما ليس كذلك ؛ فلا نزاع معهم فى غير التسمية.
وإن سلمنا صحة ما ذكروه فى الحد جدلا ؛ غير أن ما ذكره النظام ممتنع ؛ وبيانه من وجهين :
الأول : هو أن النظام وإن قال بأنه ما من جسم إلّا وفيه جواهر فردة لا نهاية لها بالفعل ؛ فهو معترف بأن فيها المتناهى : كالعشرة والمائة ، ونحوها من مراتب الأعداد.
وعند ذلك : فأى عدد متناه اقتطعناه من تلك الأجزاء المتناهية وألفناها كان منها جسم لا محالة ؛ وأجزاؤه متناهية العدد ؛ وفيه إبطال ما ذكر.
ثم يلزم من تناهى أجزاء هذا الجسم تناهى أجزاء ما أخذ منه.
وبيان الملازمة : أن لكل واحد منهما حجما متناهيا. والحجم ما أخذ لا محالة نسبة إلى حجم ما أخذ منه ؛ ويلزم من ذلك أن تكون نسبة أجزاء الأصغر إلى أجزاء الأكبر كنسبة ما بين الحجمين ؛ لأن زيادة الحجم إنما هى على حسب زيادة الأجزاء ؛ والنسبة بين الحجمين نسبة متناه إلى متناه.
الثانى : أن الزيادة بين الأحجام. إنما هى على حسب زيادة أجزائها ؛ ولهذا فإنا لو فرضنا ذا حجم مخصوص ، واقتطعنا منه قطعة صغيرة ؛ فإن حجمه بعد قطعه يكون أصغر منه قبل قطعه ؛ وليس ذلك إلا لنقص أجزائه.
وكذلك فإنا لو زدنا عليه شيئا ؛ فإن حجمه بعد الزيادة يكون أكبر منه قبل الزيادة ؛ وليست / الزيادة والنقصان فيه ؛ إلا بسبب زيادة الأجزاء ونقصها.
وإذا كانت زيادة الحجم على حسب زيادة الأجزاء ؛ فلو كانت الأجزاء لا نهاية لها بالفعل ؛ لكان بعد كل جسم لا نهاية له بالفعل ؛ ويلزم من ذلك أن كل متحرك ابتدأ بحركة لقطع مسافة أى جسم كان من مبدئه أن لا يصل إلى منتهاه ؛ لأن ما بين يديه من الأجزاء التى يروم قطعها لا نهاية لأعدادها فعلا ؛ وقطع ما لا نهاية له بالفعل بالحركة غير متصور ؛ وذلك كله محال.