الرابع : أنه لو كان موجدا للعالم بالاختيار : فلا بد له من القصد إلى إيجاده ؛ ومن ضرورة قصده إلى إيجاده ؛ أن يكون عالما بعدمه ؛ فبعد وجوده إن / بقى عالما بعدمه ؛ كان جاهلا. وإن لم يبق عالما بعدمه لزم منه التغيير فى صفات الرب ـ تعالى ـ وكل واحد من الأمرين ؛ محال على الله ـ تعالى ـ ، وهذه المحالات : إنما لزمت من القول بكونه مختارا ؛ فلا يكون مختارا (١).
الثانى (٢) : أنه لو كان العالم حادثا ، موجودا ، بعد العدم ؛ فكل موجود بعد ما لم يكن ؛ لا بد له من زمان ، ومادة ، يتقدمان عليه ، أما دليل تقدم الزمان ؛ فهو أن ما وجد بعد العدم : إما أن يكون له قبل كان فيه معدوما ، أو لم يكن.
فإن كان الأول : فذلك القبل ، إما أن يكون وجودا ، أو عدما. لا جائز أن يكون عدما فإنه لا فرق بين قول القائل : لا قبل له ، وبين قوله : إن قبله عدم.
ولأنه لا يكون عدم أى شيء اتفق ، وإلا كان بعد قبل ؛ وهو محال. فلم يبق إلا أن يكون مفسرا ، بأنه لم يكن ؛ وفيه تفسير القبل بما أضيف إليه ؛ بأنه لم يكن فيه.
ويرجع حاصل القول : أن له قبلا ، لم يكن فيه موجودا مع صدقه ، وصحة معناه إلى أنه لم يكن موجودا.
[فما لم يكن موجودا] (٣) ، أو أن قبله لا فى قبله ، وهو متهافت وعليك بتفهمه.
فلم يبق إلا أن يكون موجودا ، وليس هو مع ولا بعد ؛ فقد تقضى ومضى ، وهو قابل للتقدير ، والزيادة ، والنقصان ؛ فهو كم والماضى منه متصل بالحال ، والحال بالمستقبل ؛ وهو مطابق للحركات المتصلة ؛ فهو من الكميات المتصلة ؛ وهو المعنى بالزمان (٤) ثم ما من قبل ، إلا وله قبل آخر على هذا إلى ما لا يتناهى. فإذن الزمان قديم ، وإن لم يكن له قبل ، كان فيه معدوما ؛ فهو قديم لا أول له ؛ وهو المطلوب.
__________________
(١) هذه الشبهة رد عليها الآمدي بالتفصيل فيما يلى ل ٩٩ / ب وما بعدها.
(٢) الشبهة الثانية من شبه الخصوم القائلين بقدم العالم والمنكرين لحدوثه. وانظر الرد عليها فيما يأتى ل ١٠٠ / ب.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) وقد عرف الآمدي الزمان فقال : «وأما الزمان : فعبارة عما به تقدير الحركات.
وأما الآن : فعبارة عن نهاية الزمان. وإن شئت قلت : هو ما يتصل به الماضى بالمستقبل» [المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدى ص ٩٦].