الفصل الأول : فى إثبات الجوهر الفرد (١)
وقبل الخوض فى الحجاج نفيا ، وإثباتا لا بد من تصوير الجوهر الفرد بحده ؛ ليكون التوارد بالنفى ، والإثبات على [محز] (٢) واحد فنقول :
المعنى بالجوهر الفرد : الجوهر المتحيز الّذي لا يقبل القسمة بالفعل ، ولا فى التعقل ؛ وهذا مما اختلف فيه.
فالذى عليه إجماع أهل الحق من المسلمين قاطبة ؛ إثبات الجوهر الفرد (٣).
وذهبت الفلاسفة (٤) : إلى أن الجوهر المتحيز وإن انتهى إلى حد لا يقبل القسمة [بالفعل] (٥) فلا بد وأن يكون قابلا للقسمة فى الوهم ، والتعقل (٦).
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة ارجع إلى مقالات الإسلاميين للأشعرى ٢ / ٨ وما بعدها. والشامل للجوينى ص ١٤٢ ـ ١٤٨. وأصول الدين للبغدادى ص ٣٥ وما بعدها ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٥٠٥ وما بعدها «مسألة : فى إثبات الجوهر الفرد». فقد خصص الشهرستانى لهذه المسألة مبحثا مستقلا فى نهاية كتابه [الذيل] «مسألة فى إثبات الجوهر الفرد» من ص ٥٠٥ ـ ٥١١.
ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : المواقف للإيجي ص ١٨٢ وشرحها للجرجانى ٦ / ٢٨٥ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٣٣ وما بعدها.
ومطالع الأنظار على طوالع الأنوار للأصفهانى ص ١٠٩ وما بعدها.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) راجع الشامل للجوينى ص ١٤٣.
(٤) الشامل ص ١٤٣ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٥٠٥.
(٥) ساقط من (أ).
(٦) الفلاسفة ينكرون الجوهر الفرد ـ كما صوره المتكلمون بأنه الجوهر المتحيز الّذي لا يقبل القسمة بالفعل ، ولا فى التعقل ـ ويرون بأن الجوهر المتحيز لا بد وأن يكون قابلا للقسمة إن لم يكن بالفعل ؛ فلا بد وأن يكون قابلا لها فى الوهم ، والتعقل.
وقد احتج الفلاسفة على نفى الجوهر الفرد (الجزء الّذي لا يتجزأ) بوجوه لخصها البيضاوى فى كتابه (طوالع الأنوار) وشرحها الأصفهانى فى مطالع الأنظار ص ١٢٢ ـ ١٢٤. وأرى من المفيد نقل متن البيضاوى خاصة ، ورأى الفلاسفة ـ المخالف لرأى المتكلمين ـ صحيح يؤيده العلم الحديث والواقع ؛ فقد انشطرت الذرة ، وانقسمت ، وتحولت إلى طاقة استفاد العالم منها فى العلاج الطبى ، والطاقة وغيرها ؛ بينما تضرر البعض بالقنابل الذرية.
قال البيضاوى «احتج الحكماء على نفى الجوهر الفرد بوجوه.
الأول : أن كل متحيز فيمينه غير يساره ، والوجه المضيء فيه غير المظلم ؛ لا يقال ذلك لتغاير وجهيه ؛ لأنهما إن كانا جوهرين ثبت المدعى ؛ وإلا لزم تغاير محليهما.
الثانى : أنا لو فرضنا خطا من أجزاء شفع فوق أحد طرفيه جزء ، وتحت الآخر جزء آخر ، وتحركا على تساو ؛ تحاذيا لا محالة على ملتقى الجزءين ؛ فيلزم الانقسام.
الثالث : كلما قطع السريع بحركته جزأ ؛ قطع البطيء أقل منه ، وإلا لزم أن يساويه فى جزء ، ويقف فى آخر ؛ وقد بان فساده. ـ