قلنا : إذا كانت القبلية عبارة عما ذكرناه. فقول القائل : الحادث له قبل كان فيه معدوما : إن أراد به القبلية : بالاعتبار المذكور ؛ لا يكون صحيحا ؛ ولا نسلم صحة إطلاقه.
وإن أراد به : تقدير مدة فى وهمه وفرضه من غير تحقيق ؛ فلا منازعة فى العبارة. ولا يلزم من كون العدم متقدما على الوجود الحادث ؛ أن يكون تقدمه بالزمان ؛ فإن التقدم أعم من التقدم بالزمان كما سبق (١) ولا يلزم من الأعم الأخص.
وعلى هذا : فقد بطل القول بسبق وجود المادة تفريعا علي وجود الزمان.
وما ذكروه من بيان وجود المادة فى الوجه الثانى ؛ فمبنى على أن الإمكان أمر وجودى ؛ وقد أبطلناه ؛ فيما تقدم وبتقدير أن يكون صفة وجودية فحاصله يرجع إلى أن الرب ـ تعالى ـ قادر على إحداثه.
قولهم : لو كان كذلك ؛ لزم منه تعليل الشيء بنفسه.
قلنا : الممكن هو المقدور على ما ذكرناه. غير أن من لوازمه : أنه لو فرض موجودا ؛ لا يلزم عنه لذاته محال والتعليل : إنما هو : هذا اللازم.
ولا تخفى المغايرة بين الأمرين ، وتعليل أحد المتغايرين بالآخر ، لا يكون تعليلا للشىء بنفسه ؛ فلا يكون متهافتا. وإطلاق اسم الإمكان على اللازم : إنما كان بطريق التجوز والاستعارة ؛ ضرورة الملازمة ، ولا بعد فيه ؛ وفيه دقة ؛ فليتأمل.
وأما الشبهة الثالثة (٢) :
فإن أرادوا بلفظ المدة الزمان : فالتقسيم إذن إنما يصح فيما هو قابل للتقدم ، والتأخر ، والمعية بالزمان. وأما ما ليس بقابل لذلك ؛ فلا. والبارى ـ تعالى ـ ليس قابلا
__________________
(١) راجع ما مر ل ٨١ / ب وما بعدها.
(٢) الرد على الشبهة الثالثة للخصوم الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «لو كان العالم حادثا ؛ لم يخل : إما أن لا يكون بينه ، وبين الرب ـ تعالى ـ مدة ، أو يكون بينهما مدة. فإن كان الأول ؛ فيلزم منه مقارنة ، وجود العالم لوجود الرب ـ تعالى .. إلخ».