ولعسر هذه الإشكالات ، ارتكب النظام ما هو أقبح من مقاله الأول ، وأظهر فى مجاحدة العقل ؛ وذلك أنه قال : المتحرك لا يقطع جميع المسافة ؛ بل يقطع البعض ، ويطفر من جزء إلى جزء فى حال حركته من غير أن يقابل ما بين الجزءين ؛ واحتج على ذلك بما ذكرناه فى تحرك الجسم بالقوة من مسلك المتحرك فى السفينة ، ومسلك البئر ، وقال : لا شك (١١) / / بأن المتحرك فى السفينة تحرك خمسين ذراعا بمقدار طول السفينة ؛ وقد قطع مائة ذراع ، وليس ذلك إلا بسبب الطفرة (١).
وكذلك المانح للدلو ، قد منح خمسين ذراعا ؛ وهو طول الحبل المرسل من أعلى البئر ؛ والدلو قد قطع مائة ذراع فى طول البئر ؛ وليس ذلك إلا بسبب الطفرة.
وطريق الرد عليه أن يقال : إنه حالة الطفرة : إما أن يكون قد حاذى المطفور عنه ، أو لم يحاذه. لا جائز أن يقال بعدم المحاذاة والمقابلة ؛ فإنه لو فرض القاطع للمسافة وبيده خشبة وهى تخط على المسافة خطا على ممره ؛ فإن الخط يكون متصلا غير منقطع ؛ ولو لم يكن قد قابله وحاذاه ؛ لما كان الخط متصلا ؛ فلم يبق إلا المحاذاة ؛ وهو المطلوب.
وأما المتحرك فى السفينة ؛ فحركته مائة ذراع ؛ لكن منها خمسين بالذات ؛ وهى حركته من أول السفينة إلى آخرها ، وخمسين بالعرض ؛ وهى حركته بحركة السفينة. ولهذا فإنه لو قدر واقفا ، فى مؤخر السفينة مع حركة السفينة ؛ فإن السفينة إذا انتهت إلى مقرها ؛ كانت قد قطعت خمسين ذراعا والواقف فيها خمسين ذراعا ؛ فلذلك كان قاطعا للمائة الذراع ، ومحاذيا لها.
وأما حركة الدلو [إنما كانت مائة ذراع] (٢) وحركة المانح خمسين ذراعا بسبب سرعة حركة الدلو بالنسبة إلى حركة المانح كما فى حركة الجزء من دائرة طوق الرحا بالنسبة إلى حركة الجزء من دائرة القطب منها.
__________________
(١١)/ / أول ل ١٣ / ب من النسخة ب.
(١) الطفرة : القول بالطفرة من مبتدعات النظام قال الشهرستانى : «وأحدث القول بالطفرة لما ألزم مشى نملة على صخرة من طرف إلى طرف. أنها قطعت ما لا يتناهى فكيف يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى؟ قال : تقطع بعضها بالمشي ، وبعضها بالطفرة ، وشبه ذلك بحبل شد على خشبة معترضة وسط البئر ، طوله خمسون ذرعا وعليه دلو معلق ، وحبل طوله خمسون ذراعا علق عليه معلاق ، فيجرّ به الحبل المتوسط ، فإنّ الدّلو يصل إلى رأس البئر ، وقد قطع مائة ذراع. بحبل طوله خمسون ذراعا فى زمان واحد. وليس ذلك إلا أنّ بعض القطع بالطفرة» وقد ردّ عليه الشهرستانى فقال : «ولم يعلم أنّ الطفرة قطع مسافة أيضا موازية لمسافة ؛ فالالزام لا يندفع عنه. وإنما الفرق بين المشى والطفرة يرجع إلى سرعة الزّمان وبطئه».
[راجع الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٥ ، ٥٦ وانظر مقالات الإسلاميين ٢ / ١٩].
(٢) ساقط من أ.