والمعتمد فى ذلك مسلكان :
المسلك الأول : أنه لو كان كل جوهر متحيزا منقسما بالقوة إلى غير النهاية ؛ لما وجدت الحركة المكانية مطلقا ؛ واللازم ممتنع.
بيان الملازمة : أنه لو كان كل جوهر متجزئ بالقوة إلى غير النهاية ، لكانت أجزاء كل مسافة تفرض من مسافات الأجسام كذلك ، وكل مسافة فإنه يمكن قطعها بالحركة لا محالة ؛ وكل مسافة يمكن قطعها بالحركة ؛ فتلك الحركة مطابقة لها ، وأجزاؤها مطابقة لاجزاء المسافة ؛ فالثلث من كل الحركة ، مطابق لثلث كل المسافة ، وكذلك النصف ، وسائر الأجزاء.
والمطابق للمتجزئ يكون متجزئا بالضرورة.
وإذا ثبت لزوم انقسام أجزاء الحركة بالقوة إلى غير النهاية فأجزاء الحركة التى بها قطع المسافة ، غير موجودة معا ؛ بل متعاقبة متجددة.
وما به قطع النصف الأول من المسافة لا وجود له مع ما به قطع النصف الأخير منها ؛ وكذلك فى / كل جزء يفرض مع غيره.
وكل جزء منها لا يكون موجودا مع فرض وجود الجزء الآخر ؛ بل معدوما ؛ فالحاضر منها لا وجود له مع الماضى ، والمستقبل.
وكذلك المستقبل لا وجود له مع الماضى.
وعند ذلك : فإما أن يوجد منها شيء فى الحاضر ، أو لا يوجد.
لا جائز أن يقال بالوجود ؛ فإنه ما من جزء يفرض حاضرا ؛ إلا وهو منقسم إلى غير النهاية.
فإذن بعض أجزائه ماض ، ومستقبل ، والحاضر منها لا يوجد مع الماضى ، والمستقبل ؛ فلا يكون ما فرض حاضرا حاضرا ؛ وهو خلاف الفرض.
ثم الكلام فى كل حاضر يفرض : كالكلام فى الأول ؛ وهو محال ؛ فلا وجود لشيء من أجزاء الحركة حاضرا.
وإذا لم يوجد منها جزء فى الحاضر ؛ فلا وجود للماضى ، والمستقبل ؛ لأن الماضى هو ما كان حاضرا ، والمستقبل ما يتوقع حضوره.