قولكم : لو كان كذلك لكان تصور الوجود والتصديق بنسبته كسبيا.
لا نسلم ذلك ، فإن تصور الوجود والحكم على الذات بكونها موجودة ؛ ليس كسبيا ؛ بل الكسبى كون الوجود زائدا على الذات ، أو غير زائد عليها ؛ ولا منافاة بين الأمرين.
المسلك الثالث : أن الذوات الثابتة فى العدم ممكنة لذواتها ، وكل ممكن محدث فالماهيات المفروضة محدثة مسبوقة بالعدم الصرف ؛ وهو المطلوب.
وبيان أنها ممكنة لذواتها : هو أنها لو لم تكن ممكنة ؛ لكانت واجبة التقرر لذواتها فى الخارج وممتنعة الزوال ، ولو كانت كذلك ؛ لكانت واجبة الوجود ، إذ لا معنى لواجب الوجود إلا ما كان تقرره / واجبا لذاته ؛ فيلزم التعدد فى واجب الوجود ؛ وهو محال على ما سبق (١). فلم يبق إلا أن تكون ممكنة.
وأما أن كل ممكن محدث : فعلى ما تقرر فى حدوث العالم ؛ وهو فاسد أيضا ؛ فإن لقائل أن يقول : لا نسلم أن الذوات ممكنة الثبوت فى حالة العدم ؛ بل هى واجبة الثبوت لنفسها ، وذاتها.
ولا يلزم من ذلك أن تكون واجبة الوجود لذاتها إلا أن نبين أن المفهوم من الثبوت هو نفس المفهوم من الوجود. وإلا فعلى تقدير أن يكون المفهوم من الثبوت أعم من الوجود كما يقوله الخصم ؛ فلا.
فإنه لا يلزم من الأعم الأخص ومجرد الدعوى فى ذلك غير كافية.
وإن سلمنا جدلا ـ مع الاستحالة ـ وجوب وجودها فلا نسلم امتناع وجود واجبين. وما قيل فى ذلك فقد أبطلناه فيما تقدم (٢).
المسلك الرابع : أنه لو كانت ذات الجوهر ثابتة فى العدم لكانت متحيزة ، وتحيز المعدوم محال (٣).
__________________
(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الأول ل ٤١ / أوما بعدها.
(٢) راجع ما سبق فى المصدر السابق.
(٣) راجع ما سبق ل ٣ / أوما بعدها.