الفصل الخامس
فى تحقيق معنى الحركة والسكون (١)
وقد اختلف فيهما : والّذي عليه إجماع الفلاسفة أن الحركة معنى وجودى وعبروا عنها بأنها استبدال حالة قارة فى المحل بأخرى يسيرا يسيرا ، لا دفعة واحدة ، وأنها قد تكون فى المكان ؛ كالحركة من مكان إلى مكان ، وفى الكيف : كالتسود والتبيض ، وفى الكم : كالنمو أو الذبول ، والتكاثف ، والتخلخل ونحو ذلك.
وأما السكون : فعبارة عن عدم الحركة ، فيما من شأنه أن يكون قابلا للحركة ، حتى أن ما لا يكون قابلا للحركة وإن لم يكن متحركا : كالإله ـ تعالى ؛ فإنه لا يكون ساكنا.
وما ذكروه فى رسم الحركة ؛ فغير صحيح.
فإنا لو فرضنا مكانين لا يفصلهما ثالث ، وفرضنا جوهرا تحرك من أحدهما إلى الآخر : فإما أن يقال بأن تلك الحركة متجددة ، أو غير متجددة.
فإن قيل بالتجدد : فكل جزء منها ؛ فلا بد وأن يقطع جزءا ، أو مكانا غير ما يقطعه الآخر ؛ ويلزم من ذلك أن يكون بين المكانين المفروضين ، أمكنة أخرى ؛ وهو خلاف الفرض.
وإن قيل بعدم التجدد : فلم يصح ما ذكروه فى حدّ الحركة من الاستبدال يسيرا يسيرا.
وأما ما ذكروه فى تفسير السكون ؛ فسيأتى إبطاله فيما بعد (٢).
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ورد هاهنا :
انظر : مقالات الإسلاميين للأشعرى ٢ / ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣ ، وشرح الأصول الخمسة ص ٩٦. والشامل فى أصول الدين لإمام الحرمين الجوينى ص ١٩٠ ، ١٩١.
والمواقف للإيجي ص ١٦٧ وما بعدها ، وشرح المواقف للجرجانى ٦ / ١٩٨ وما بعدها. وقد عرّف الآمدي الحركة والسكون فقال : «أما الحركة فعبارة عن كمال بالفعل لما هو بالقوة من جهة ما هو بالقوة ؛ لا من كل وجه ؛ وذلك كما فى الانتقال من مكان إلى مكان والاستحالة من كيفية إلى كيفية. وأما السكون : فعبارة عن عدم الحركة فيما من شأنه أن تكون فيه تلك الحركة (المبين للآمدى ص ٩٥).
(٢) انظر ما سيأتى ٥٩ / أوما بعدها.