وصانعا غير زائد / على ذاته ؛ لما تصور العلم بذاته ، والجهل بكونه مؤثرا ؛ وهو مكابرة للبديهية.
فالحق أن يقال : كون الرب ـ تعالى صانعا ، ومؤثرا ، وإن كان المفهوم منه ، يزيد على المفهوم من ذاته ووجوده ، غير أنا لا نسلم أن معناه يزيد على كون العالم ، صدر عنه مخصصا بقدرته ، وإرادته فى وقت حدوثه. وإذا لم يكن المفهوم من كونه صانعا ومؤثرا ، يزيد على حدوث العالم عنه مخصصا بقدرته ، وإرادته.
فحدوث العالم عنه : ليس صفة قائمة لذاته ، حتى تكون ذاته محلا للحوادث ، ولا حدوث العالم عنه ، يزيد على حدوث العالم ؛ ليلزم التسلسل كما قيل.
وأما الشبهة السادسة (١) :
فمبنية على كون الإمكان صفة وجودية ، وفد بينا إبطاله فيما تقدم.
وبتقدير أن تكون صفة وجودية ؛ فلا نسلم أن مفهومه يزيد على كون الرب ـ تعالى ـ قادرا على إيجاد العالم ؛ على ما سبق تحقيقه.
وإن سلمنا : أن الإمكان صفة للعالم ؛ فما المانع من كونه حادثا. [قولهم : لو كان حادثا (٢)] لكان ممكنا بإمكان ؛ ولزم التسلسل.
قلنا : ولو كان قديما ؛ لكان أيضا ممكنا ؛ لأنه لو لم يكن ممكنا ؛ لكان مع فرض وجوده ، واجبا لذاته. ولو كان واجبا لذاته : لما كان صفة لغيره ؛ وللزم وجود واجبين لذاتيهما وهما الرب ـ تعالى ـ والإمكان ؛ ولم يقولوا به.
وبتقدير كونه قديما ممكنا : يلزم أن يكون ممكنا بإمكان ؛ وما هو عذرهم فى إمكان القديم ؛ هو العذر فى الإمكان الحادث. ثم يلزم على ما ذكروه ، امتناع وجود الحوادث ؛ لأن ما من حادث يفرض ، إلا وهو ممكن لذاته ، وإمكان صفة له فلو كان إمكانه حادثا ؛ لكان ممكنا بإمكان آخر فلزم أن يكون إمكانه قديما. ويلزم من قدم إمكانه ؛ قدم ذلك الحادث ؛ لاستحالة وجود الصفة دون الموصوف ؛ فما هو عذرهم فى حدوث الحوادث ، يكون بعينه عذرا في حدوث العالم.
__________________
(١) الرد على الشبهة السادسة من شبه الخصوم الواردة فى ل ٩٧ / أوخلاصتها «هو أن العالم ممكن الوجود على ما تقدم ، وإمكان وجوده صفة له لا لغيره .... إلخ».
(٢) ساقط من أ.