الفصل الخامس
فى تحقيق معنى المتضادين (١)
وقد اختلفت عبارات الناس فيه
فقالت الفلاسفة : الضدان كل ذاتان متعاقبتان على موضوع واحد ؛ ويستحيل اجتماعهما فيه ؛ وبينهما غاية الخلاف ، والبعد.
فقولهم : ذاتان : احتراز عن العدم ، والوجود. والاعدام بعضها مع بعض.
وقولهم : متعاقبتان على موضوع احتراز عن الجواهر ؛ إذ هى غير متضادة ؛ لعدم دخولها فى الموضوع ؛ وقد عرف معنى الموضوع عندهم ، فيما تقدم (٢).
وقولهم : واحد احتراز عن المتعاقبات على الموضوعات المتعددة.
وقولهم : ويستحيل اجتماعهما فيه. احتراز عن الأعراض المختلفة التى ليست متضادة : كالسواد ، والحلاوة مثلا.
وقولهم : وبينهما غاية الخلاف ، والبعد. احتراز عن الوسائط مع الأطراف : كالسواد ، والبياض مع الحمرة ، والوسائط بعضها مع بعض : كالحمرة ، والصفرة ، ونحو ذلك.
فإنها غير متضادة عندهم ؛ فإنها وإن كانت من الذوات المتعاقبة على موضوع واحد ، ويستحيل اجتماعها فيه ؛ فليس بينهما غاية الخلاف. والبعد.
بل ذلك إنما هو للأطراف : كالسواد ، والبياض مثلا ؛ فهما ضدان.
وأما أصحابنا : فالضدان (٣) عندهم أعم من الضدين بهذا الاعتبار ، والعبارة عن ذلك
__________________
(١) لمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ٢ / ٦٢ أوالشامل فى أصول الدين للجوينى ص ٤٥٠.
والمواقف للإيجي ص ٨٢ وشرح المواقف للجرجانى ٤ / ٧١ وما بعدها.
(٢) راجع ما تقدم فى المقدمة ل ٣٠٠ / ب من الجزء الأول.
(٣) عرف الجرجانى الضدان فقال : «الضدان : صفتان وجوديتان يتعاقبان فى موضع واحد ، يستحيل اجتماعهما : كالسواد والبياض ، والفرق بين الضدين والنقيضين. أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان : كالعدم والوجود والضدين لا يجتمعان ؛ ولكن يرتفعان : كالسواد والبياض [التعريفات ص ١٥٥].