وبيانه : أن القرآن أنزل بلغة العرب على ما قال ـ تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (١) وقوله تعالى : ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٢). والعرب ما كانت تفهم من الرؤية غير ما ذكرناه ؛ فكان اسم (٣) النظر موضوعا بإزائها ؛ وذلك في حق الله ـ تعالى ـ محال.
وإذا تعذر حمل لفظ النظر على حقيقته ؛ فلا بد من التجوز حذرا من تعطيل اللفظ ؛ وذلك بحمله على الانتظار ، أو غيره مما يحتمله اللفظ.
سلمنا أنه للرؤية مطلقا ؛ ولكن يجب تأويله بحمله على رؤية ثواب الرب ـ تعالى ـ بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه. ودليل وجوب العمل بهذا التأويل : السمع ، والعقل.
أما السمع : فقوله ـ تعالى ـ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٤) / فهذه الآية صريحة في نفى إدراك الله ـ تعالى ـ بالأبصار.
كيف وقد ورد ذلك في معرض التمدح ، والاستعلاء ، فلو أمكن أن يكون مدركا في وقت ما ؛ لزال عنه التمدح ، والاستعلاء ؛ وهو محال ؛ والجمع بين العمل بها (٥) ، وبظاهر ما ذكرتموه ؛ ممتنع.
وعند ذلك فلا بد من تأويل ما ذكرتموه حذرا من تعطيل أحد الدليلين.
وأيضا : قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) (٦). دل على امتناع الرؤية في حق من يكلمه فمن لا يكلمه أولى أن لا يراه ، ولأنه لم يفرق أحد من الأمة بينهما.
وأيضا : قوله ـ تعالى : ـ (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٧) وصف من سأل رؤيته بالعتو ، ولو كانت الرؤية غير ممتنعة ؛ إما لذاتها أو لغيرها ؛ لما كان كذلك كما لو سأل غيرها من الممكنات.
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ / ٢.
(٢) سورة ابراهيم ١٤ / ٤.
(٣) ساقط من ب.
(٤) سورة الانعام ٦ / ١٠٣.
(٥) فى ب (بهذه الآية).
(٦) سورة الشورى ٤٢ / ٥١.
(٧) سورة الفرقان ٢٥ / ٢١.