الخامس : هو أن النظر الموصول بإلى قد يوصف بما لا توصف به الرؤية من الصلابة ، والشدة ، والغضب (١) ، والازورار ، والرضا ، والتحير ، والذل ، والخشوع ، ونحو ذلك. وذلك بما تكون عليه عين الناظر من الأوضاع المختلفة ، والتقليب المخصوص ، والكيفية في تحريكها. ومن المعلوم أن الرؤية لا تختلف باختلاف هذه الأحوال ، ولا توصف بها ، فإن العرب لا تصف إلا ما تراه ؛ فدل على أن النظر بمعنى تقليب الحدقة ؛ لا بمعنى الرؤية.
السادس : أنه يصح الأمر بالنظر ، والنهى عنه فيقال : انظر إلى فلان ، ولا تنظر إلى فلان ، ومتعلق الأمر ، والنهى ما كان مقدورا للناظر ؛ والرؤية غير مقدورة له ؛ بخلاف تقليب الحدقة ؛ فكان هو المراد بالنظر.
وأما الثانى : وهو بيان أن النظر قد يرد بمعنى الانتظار وإن كان موصولا بإلى ، وذلك مما نقل عن العرب أنها تقول : نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ويقال : نظرى إلى الله ، ثم إلى فلان / : أى انتظارى ، ولهذا يصح هذا الإطلاق ممن لا رؤية له كالأعمى.
ومن قول الشاعر :
ويوم بذى قار رأيت وجوههم |
|
إلى الموت من وقع السّيوف نواظرا (٢) |
أى منتظرة ضرورة أن الموت لا يرى.
وأيضا قول الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدر |
|
إلى الرحمن يأتى بالفلاح (٣) |
أى بالفرج من عنده.
وأيضا قول الشاعر :
إنّى أليك لما وعدت لناظر |
|
نظر الذّليل الى العزيز القاهر (٤) |
أى منتظر.
__________________
(١) فى ب (والضعف).
(٢) ورد هذا البيت في أصول الدين للبغدادى ص ١٠٠ ، وقد أورده الآمدي أيضا في غاية المرام ص ١٧٥.
(٣) ورد في شرح الأصول الخمسة ص ٢٤٥ ، ٢٤٦ هكذا
وجوه يوم بدر ناظرات* |
|
إلى الرحمن يأتى بالخلاص |
ونسبه المحقق إلى حسان بن ثابت رضى الله عنه.
(٤) ورد هذا البيت في غاية المرام ص ١٧٥ بنصه المذكور هنا كما ورد في شرح الأصول لخمسة ص ٢٤٦ برواية أخرى هكذا :
إنى إليك لما وعدت لناظر* |
|
نظر الفقير إلى الغنى الموسر |