فإذا قيل : لم كان كذلك؟ كان هذا السؤال يتضمن إبطال حقيقة الإرادة ، وكأنه قيل : لم كانت الإرادة ؛ إرادة؟ وهو غير مسموع.
ثم وإن قدرنا الأولى في فعله ؛ فإنما يلزم بسببه الكمال والنقصان ، في حق واجب الوجود أن لو كانت حكمة الأولوية عائدة إليه ، وليس كذلك ؛ بل هى عائدة إلى المراد دون المريد ، ثم هذا الإشكال مما لا يصح إيراده ممن يعترف بكون الله تعالى مريدا. من المعتزلة. ولا من الفلاسفة الإلهيين حيث قضوا : بأن النفوس الفلكية ، مخصصة للحركات الدورية ، بإرادة نفسية على ما سيأتى تحقيقه (١). وإن كانت النفوس الفلكية أشرف من الحركات المخصصة بها.
ثم هو لازم على القائل بالإيجاب بالذات ، إذ يمكن أن يقال : الإيجاب بالذات : إما أن يكون أولى من عدم الإيجاب بالذات ، أو لا يكون أولى ، وهلم جرا ، إلى آخر الإشكال.
وعند ذلك : فما هو جواب له في الإيجاب بالذات ؛ فهو جواب له في الإيجاب بالقدرة ، والاختيار.
قولهم : الإيجاد بالقدرة : إما أن يكون العدم معه مقدورا ، أو لا.
قلنا : بل مقدور. وما (٢) أوردوه (٢) من الإشكال ؛ فقد سبق جوابه.
قولهم : العالم مشتمل على خيرات وشرور.
فقد أجاب عنه بعض الأصحاب بأن قال : أفعال المكلفين وإن انقسمت إلى خيرات ، وشرور ، لكن القدرة (٣) إنما تتعلق (٣) بها من جهة وجودها ، وهى من هذا الوجه ليست شرورا ، وإنما يلحقها الشر بالنسبة إلي صفات هى منتسبة (٤) إلى فعل العبد ، وقدرته ، كما يأتى تحقيقه في مسألة خلق الأعمال ، وهى من تلك الجهة غير مقدورة لله ـ تعالى ـ ولا مرادة له. فإذن ما هو الخير مستند إلى فعل الله ـ تعالى ـ وما هو الشر
__________________
(١) انظر الجزء الثانى ـ النوع الثالث : في الجسم وأحكامه ـ
الفصل السابع : في إبطال قول الفلاسفة إن الأفلاك ذوات أنفس وأنها متحركة بالإرادة النفسية ل ٣٢ / أوما بعدها.
(٢) فى ب (ما ذكروه).
(٣) فى ب (الحادثة تتعلق).
(٤) فى ب (منشئه).