ثمّ شرع في تحقيق ذلك بأنّ هنا حدودا وشيئا ذا حدود وهيئة بسبب الحدود ، فالحدود ليست أشكالا ، بل هي أطراف. ولا يجوز أن يقال لشيء منها : إنّه في ظاهر المحدود ، حتى يقال : إنّ السطح في ظاهر الجسم ، أو الخط في ظاهر السطح ؛ لأنّ الظاهر غير الذي في الظاهر. وليس السطح إلّا نفس ظاهر الجسم ، والخط ليس في ظاهر السطح بل نفس ظاهره. فأمّا إن عنوا الشيء المتحدد ، فهو مقدار لا كيفية. وإن عنوا الهيئة الحاصلة من التحدد فإنّما يكون في الظاهر منها ما يوجد في السطح وحده من الهيئات ، إمّا شكلا كالتربيع ، أو هيئة غير شكل كالتسطيح والتقبيب والتقعير. وأمّا المجسمات من الأشكال ، فليست هيئات توجد في الحدود ، بل هي هيئات توجد في جملة المحدود بالحدود ، وفي الحدود وجود إنّيتها (١) بالشركة ، ليست نسبتها إلى الحدود أولى من نسبتها إلى المحدود. فلو كانت الكرية في نفس السطح لكانت تقبيبا أو تقعيرا لا كرية ، كما لو كانت الدائرة في نفس الخط لكانت استدارة وتقويسا لا دائرة. وكما أنّ شكل الدائرة موضوعها السطح لا نفس الخط ، كذلك شكل الكرة موضوعه الجسم لا ظاهره الذي هو السطح ، وإن كان شكل الدائرة لا يتم إلّا بالانعطاف للخط ، وكان شكل الكرة لا يتم [إلّا] بتقبيب السطح. وهذه الأشكال وإن كانت تحدث للمحدودات بالحدود ، فليست هي الحدود ، وإن كانت الحدود عللا لها ، فليست عللا لها في أنفسها بل في شيء آخر يتحدد بها.
واعلم أنّ الحدود أنفسها لا يقال إنّها موجودة إلّا في المحدود نفسه جملته ، فإنّ الخط نهاية للسطح الذي هو خطه على أنّه نهاية لجملته فهو موجود بأنّه نهاية في جملته وجود الصفة في الموصوف ، وليس موجودا في طرف منه ، ولا في جزء منه دون سائر أجزائه بالقوّة. فكذلك الشكل المجسّم هو صفة للجسم كلّه ليست
__________________
(١) في النسخ : «وجوداتها» بدل «وجودانيّتها».