كنت في غار وفيه هواء كلّه على الصّفة التي تظنّها أنت ظلمة ، فإذا صار الجسم مستنيرا رأيته أنت ، ولم يمنعك الهواء الواقف بينك وبينه عن الإبصار ، ولو كان الهواء متكيفا بكيفية مانعة عن الإبصار لم يكن كذلك.
والاعتراض (١) : لو كان عدم الرؤية في اللون دليلا على عدمه لكان الجسم غير المرئي معدوما ، فإن جعلتم شرط رؤيته اللون والضوء فليكن الضوء شرطا في رؤية اللون لا في وجوده (٢) ، وهو الحق ؛ لأنّ اللون له ماهية في نفسه ، وله أنّه يصحّ أن يكون مرئيا ، فالمتوقف على وجود الضوء هو هذا الحكم ، لا حصول تلك الماهية ، كما تقول بعينه في الجسم أنّه في نفسه حقيقة وماهية ، وله أنّه يصحّ أن يكون مرئيا ، لكنّ الحكم بصحّة رؤيته مشروط بلونه أو ضوئه ، فلا يلزم من عدم الحكم عدم الماهية ، لجواز أن يكون لعدم الشرط.
لا يقال : اللون هو الكيفية التي يمكن رؤيتها ، فالموجود في الظلمة إذا لم يمكن رؤيته لم يكن لونا ، بل الجسم عند ما يكون مظلما له استعداد أن يحصل له اللون المبصر عند صيرورته مضيئا.
لأنّا نقول : استعداد الجسم لأن يكون له لون معيّن أمر ، ووجود ذلك اللون أمر آخر ، وكون ذلك اللون بحيث يصحّ أن يرى أمر ثالث ، فجاز أن يكون المتوقف على وجود الضوء هذا الحكم لا أصل وجود اللون.
تذنيب : من جعل الضوء شرط وجود اللون لم يكن عمق الجسم ملونا ، لانتفاء الضوء عنه ، ونحن لمّا أبطلنا ذلك أمكن وجود اللون فيه.
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤١٥ ـ ٤١٦.
(٢) كما قال أبو البركات : إنّ الألوان كلّها لا تتم لأبصارنا إلّا بنور يقع عليها». المعتبر ٢ : ١٨٦. وقال الطوسي : «ويتوقف [اللون] على الثاني [الضوء] في الادراك لا الوجود» كشف المراد : ٢١٨.