التصعيد ـ فإنّ الماء أقبل من الأرض ـ بادر الأقبل من تلك الأجزاء إذا حرّكتها الحرارة إلى فوق للتصعيد قبل مبادرة الأبطأ ، والأبطأ يتحرك دون العاصي فيحصل منه تفريق تلك المختلفات واجتماع المتشاكلات لتشارك الأشياء المتشاركة في الطبائع في الآثار ، والتي تكون سريعة القبول تتحرك بأسرها ، والعاصي لا يتحرك منه شيء فيعرض اجتماعهما.
وقد يتفق أن يكون ما لا يقبل التصعيد مخالطا لما يقبله مخالطة شديدة ، فقبل أن يفرق الحار بينهما يتصعّد اللطيف مستتبعا لتصعّد الكثيف المغلوب باللطيف في القوة ، فعلمنا أنّ الفعل الأوّل للحرارة التصعيد إلى فوق. فلهذه العلّة قال (١) في تعريفها : «إنّها قوة محركة لما يكون فيه إلى فوق لإحداثها الخفة» ، ثمّ قال : «فيعرض لها جمع المتجانسات وتفريق المختلفات» ، فلا يكون صدور الجمع والتفريق من الحرارة أوّليا ، بل ذلك تابع للخاصة الأولى ، وهي التحريك إلى فوق على الوجه الذي بيّناه.
وفي قوله : «كيفية فعلية محركة» نظر ؛ لأنّ المفهوم من الكيفية الفعلية ، الكيفية التي تؤثر في أمر ما ، والمفهوم من المحرّك أنّه المؤثر في أمر ما شيئا ما هو الحركة ، والمفيد لشيء جزء من المفيد لشيء ما هو الحركة ، فيكون الدال على مفيد الحركة دالا بالتضمن على المفيد المطلق. فقوله كيفية فعلية محركة يشتمل على تكرار فالأولى حذفه. (٢)
لا يقال : هذا التعريف ليس بحدّ ، لأنّه غير مركب من المقوّمات ، ولا برسم ، لأنّه مركب من اللوازم البيّنة بحيث ينتقل الذهن منها إلى ماهية الملزوم ، وليس من فهم الحركة إلى فوق والجمع بين المتشاكلات والتفريق بين المختلفات فهم أنّ المؤثر في ذلك الحرارة ، بل ما لم نشاهد الحرارة ونشاهد منها هذه الآثار لم
__________________
(١) الشيخ الرئيس في كتاب الحدود.
(٢) أي حذف لفظ «الفعليّة».