وعن الخامس : بأنّ المقتضي لامتناع التداخل ليس إلّا المقدار الحالّ في المادة بحيث يكون مفتقرا إلى بعد يحلّ فيه ، ولا تداخل غيره ممّا هو حالّ في المادة فيه ، لا مطلق المقدار المجرّد أو الفراغ المتوهّم ، إذ لا ممانعة فيهما.
وعن السادس : أنّ الزيادة في العظم إنّما تحصل في الأبعاد الحالّة في المواد المتغايرة أو المنسوبة إليها لامتناع التداخل فيها ، أمّا الأبعاد الخالية أو الفراغ المتوهم فلا يحصل فيها هذا الحكم ، لإمكان تداخل غيرها معها.
المسألة الثانية : في إثباته
اعلم : أنّ كثيرا من الأشياء الثابتة عينا أو المعدومة ، قد يعلم ببعض عوارضه ، ويكون مجهولا باعتبار ماهيته ووجوده ، فيصحّ طلب الماهيّة وطلب الوجود أيضا ، والمكان من هذا القبيل ، فإنّه من المشهور عند الجمهور الخواص التي له ، وإن اختلفوا في وجوده وماهيته.
وقد قدّمنا بيان حقيقته ، فلنشرع الآن في بيان وجوده ، فنقول (١) :
من المعلوم أنّ الخواص التي حكم العقلاء بثبوتها للمكان لا يصحّ عروضها لمعدوم صرف ونفي محض ، بل إنّما يعرض لشيء له تحقّق وتعيّن ، مع أنّ الضرورة قاضية بإثبات المكان المدّعى ثبوته عند الكل. أمّا على البعد أو الفراغ المتوهّم ، فإنّ الفطرة شاهدة به ، لقضاء العقل بثبوت فراغ متوهّم أو بعد ممتد من طرفي الإناء ، سواء حلّ فيه جسم كالماء أو لا ، فإنكاره ضروري البطلان. وأمّا السطح فلأنّ الأجسام متناهية فالسطوح ثابتة ، فلا وجه لادّعاء نفيه.
وأيضا الانتقال هو التغير في الأين ، لوجود الانتقال مع عدم التغيّر في
__________________
(١) قارن المباحث المشرقية ١ : ٣٣١ ـ ٣٣٢.