والثاني : السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوى.
فلنشرع في تحقيق الحق منهما فنقول :
إنّ بعض من جعل المكان هو البعد زعم أنّه ضروري ، وأنّ العلم به لا يفتقر إلى دليل ، ومنهم من جعله كسبيا ، واستدل عليه بوجوه (١) :
أ : كون الجسم في المكان ضروري ، وليس احتياجه إلى المكان لسطحه ، فإنّه عرض قائم به عندكم ، بل لجسميته ، والمكان مساو للمتمكن عند العقلاء ، ومساو البعد بعد ، لكنّ أبعاد الجسم ثلاثة ، وللمكان أبعاد ثلاثة ، وهو المطلوب.
ب : إذا اختلطت البسائط حصل نوع اشتباه بينها ، وإنّما يتميّز بعضها عن بعض برفع البعض إلى أن يبقى واحد ، فحينئذ يحصل امتيازه عنها ، ولمّا كان المكان تتعاقب عليه المتمكنات ، وجب أن يعتمد في امتيازه إلى رفعها كلّها ، فالباقي بعد ذلك الرفع يكون هو المكان ، ونحن إذا فرضنا خروج الماء من الإناء ، وعدم دخول الهواء فيه ، حكمنا بأنّ الأبعاد التي كان الماء والهواء يداخلها باقية خالية عن مالئ ، فعرفنا أنّ المكان هو البعد الباقي ، وأنّ ذلك البعد قد كان موجودا حال وجود المالئ فيه.
ج : لو كان المكان هو السطح الحاوي لزم الحكم بحركة ما هو ساكن ، وبسكون ما هو متحرك ، والتالي باطل بالضرورة فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّ المكان إذا كان هو السطح الحاوي ، يكون الحجر الواقف في الماء الجاري ، والطير الواقف في الهواء ، متحركين ، لأنّهما تفارقان كلّ حال سطحا حاويا لهما ، ويرد عليهما سطح آخر حاو ، والحركة عبارة عن انتقال الجسم
__________________
(١) انظر الوجوه في الفصل السادس من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.