فإنّ من الموجودات ما يمتنع عليه البقاء كالحركة والزمان ، ولا يلزم انتقالها من الإمكان إلى الامتناع. والأصل فيه : أنّ من الممكنات ما يمكن وجوده في كل وقت آنا واحدا ، ولا يمكن بقاؤه وإمكان البقاء غير إمكان الوجود. وكل وقت يمكن وجود هذا العرض ابتداء ولا يمكن استدامته ، فالامتناع الذاتي راجع إلى الاستدامة ، وهي مغايرة للابتداء الممكن الذاتي ، ولا انتقال من جهة الإمكان إلى جهة الامتناع ، فالتعويل إذن ليس إلّا على قضاء البديهة به.
احتج الأشاعرة بوجهين (١) :
الوجه الأوّل : لو صحّ بقاء الأعراض لزم قيام العرض بالعرض ، والتالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ البقاء عرض على ما يأتي ، فلو اتّصف العرض به لزم قيام العرض بالعرض ، وبيان بطلان التالي ما تقدم (٢).
الوجه الثاني : لو صحّ بقاء العرض لامتنع عدمه ، والتالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ عدمه بعد البقاء ، إمّا أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا ، أو ممتنعا لذاته. والأوّل باطل ، وإلّا لانقلب الشيء من الإمكان الذاتي إلى الوجوب الذاتي ، ومن الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي ، وهو معلوم البطلان.
والثاني محال أيضا ، لأنّ كلّ ممكن وقع فله سبب ، وهو إمّا وجودي أو عدمي ، والوجودي إمّا أن يكون موجبا كما يقال : إنّه يفنى بطريان الضد ، أو مختارا. والأوّل محال ؛ لأنّ طريان الضد على المحل مشروط بعدم الضد الأوّل عنه ،
__________________
(١) لاحظ نقد المحصل : ١٨٠.
(٢) آنفا في البحث الرابع. وقال أبو اسحاق إبراهيم بن نوبخت : «والأعراض لا يصحّ عليها الانتقال والبقاء ، لأنّهما عرضان ، والعرض لا يقوم بالعرض». أنوار الملكوت : ٢٦.