لا يقال : لا نسلّم زوال تلك الصحّة ، لأنّه تعالى بعد إيجاده للعالم قادر على إيجاده مرّة أخرى ، بأن يعدمه ثمّ يوجده.
لأنّا نقول : كلامنا في الإيجاد المبتدأ (١) لا في تجدد إيجاد بعد إعدام ، ولا شك في امتناع ابتداء الإيجاد.
السادس : أنّه تعالى في الأزل عالم ، بأنّ العالم سيحدث فيما لا يزال ، فإذا وجد العالم استحال بقاء علمه بأنّه سيحدث ، لأنّه جهل ، تعالى الله عنه. فذلك التعلّق إن كان حادثا فقبله تعلّق آخر لا إلى أوّل ، فهناك حوادث لا أوّل لها ، والقول بتجويزه اعتراف بفساد المقدّمة الثانية من أصل دليلكم على حدوث العالم ، وإن كان قديما فذلك التعلّق الأزلي قد عدم.
لا يقال : قد تقدّم أنّ القديم الأزلي إذا كان مشروطا بشرط عدمي أزلي جاز زواله لزوال شرطه العدمي الأزلي ، وهاهنا اقتضاء ذاته تعالى لتلك العالمية مشروط بعدم العالم أزلا ، إذ لو كان موجودا لاستحال علمه بأنّه سيوجد ، فجاز زوال التعلّق الأزلي لزوال شرطه.
لأنّا نقول : هذه مساعدة لنا على مطلوبنا ، وهو جواز عدم القديم لزوال شرطه العدمي ، وإذا جاز في قديم جاز في كل قديم.
والجواب (٢) : أنّ الممكن لذاته بالنظر إلى ذاته ليس بقديم ولا حادث ، ولا واجب لغيره ولا ممتنع ، وإنّما يعرض له شيء من ذلك بالنظر إلى غيره ، ولا نسلّم بقاءه على إمكانه بالنظر إلى وجود علّته أو عدمها ، بل يخرج إلى حيّز الواجب لغيره أو الممتنع ، وهما ينافيان الإمكان بالنظر إلى الغير ، وإن لم ينافياه بالنظر إلى
__________________
(١) ق وم : «بقدم المبتدأ».
(٢) أي الجواب عمّا حكاه بقوله : «فإن قيل» ، ص ٢٣٣.