وحصل ما في الصدور ، وزكيت القلوب بالشراب الطهور ، وصفيت بأنواع التصفية والتنقية ، لم يمتنع أن تشتغل بسببها لمزيد استكمال واستيضاح في ذات الله سبحانه أو في سائر المعلومات ، يكون ارتفاع درجته عن العلم المعهود كارتفاع درجة الإبصار عن التخيل ، فيعبر عن ذلك بلقاء الله تعالى ومشاهدته أو رؤيته أو إبصاره أو ما شئت من العبارات. فلا مشاحة فيها وبعد إيضاح المعاني. وإذا كان ذلك ممكنا بأن خلقت هذه الحالة في العين ، كان اسم الرؤية بحكم وضع اللغة عليه أصدق وخلقه في العين غير مستحيل. كما أن خلقها في القلب غير مستحيل فإذا فهم المراد بما أطلقه أهل الحق من الرؤية. علم أن العقل لا يحيله بل يوجبه ، وأن الشرع قد شهد له فلا يبقى للمنازعة وجه إلا على سبيل العناد أو المشاحنة في إطلاق عبارة الرؤية أو القصور عن درك هذه المعاني الدقيقة التي ذكرناها. ولنقتصر في هذا الموجز على هذا القدر.
ـ الطرف الثاني في وقوعه شرعا ، وقد دل الشرع على وقوعه ومداركه كثيرة ، ولكثرتها يمكن دعوى الإجماع على الأولين في ابتهالهم إلى الله سبحانه في طلب لذة النظر إلى وجهه الكريم. ونعلم قطعا من عقائدهم أنهم كانوا ينتظرون ذلك وأنهم كانوا قد فهموا جواز انتظار ذلك وسؤاله من الله سبحانه ، بقرائن أحوال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجملة من ألفاظه الصريحة التي لا تدخل في الحصر ، بالاجماع الذي يدل على خروج المدارك عن الحصر. ومن أقوى ما يدل عليه سؤال موسى صلىاللهعليهوسلم (أرني أنظر أليك) (١) فإنه يستحيل أن يخفى عن نبي من أنبياء الله تعالى انتهى منصبه إلى أن يكلمه الله سبحانه شفاها أن يجهل من صفات ذاته تعالى ما عرفه المعتزلة. وهذا معلوم على الضرورة ، فإن الجهل بكونه ممتنع الرؤية عند الخصم يوجب التفكير أو التضليل وهو جهل بصفة ذاته لأن استحالتها عندهم لذاته ولأنه
__________________
(١) سورة الاعراف الآية : ١٤٣.