سبيل التخيل والتصور ، ولكنّا لو فتحنا البصر أدركنا تفرقته ولا ترجع تلك التفرقة إلى إدراك صورة أخرى مخالفة لما كانت في الخيال بل الصورة المبصرة مطابقة للمتخيلة من غير فرق وليس بينهما افتراق ، إلا أن هذه الحالة الثانية كالاستكمال لحالة التخيل ، وكالكشف لها ، فتحدث فيها صورة الصديق عند فتح البصر حدوثا أوضح وأتم وأكمل من الصورة الجارية في الخيال. والحادثة في البصر بعينها تطابق بيان الصورة الحادثة في الخيال ، فاذا التخيل نوع إدراك على رتبة ، ووراءه رتبة أخرى هي أتم منه في الوضوح والكشف ، بل هي كالتكميل له ، فنسمي هذا الاستكمال بالإضافة إلى الخيال رؤية وإبصارا ، وكذا من الأشياء ما نعلمه ولا نتخيله وهو ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته ، وكل ما لا صورة له ، أي لا لون له ولا قدر مثل القدرة والعلم والعشق والإبصار والخيال ؛ فإن هذه أمور نعلمها ولا نتخيلها والعلم بها نوع إدراك فلننظر هل يحيل العقل أن يكون لهذا الادراك مزيد استكمال نسبته إليه نسبة الإبصار إلى التخيل ؛ فإن كان ذلك ممكنا سمينا ذلك الكشف والاستكمال بالإضافة إلى العلم رؤية ، كما سميناه بالإضافة إلى التخيل رؤية ، ومعلوم أن تقدير هذا الاستكمال في الاستيضاح والاستكشاف غير محال في الموجودات المعلومة التي ليست متخيلة كالعلم والقدرة وغير هما ، وكذا في ذات الله سبحانه وصفاته ، بل نكاد ندرك ضرورة من الطبع أنه يتقاضى طلب مزيد استيضاح في ذات الله وصفاته وفي ذوات هذه المعاني المعلومة كلها.
فنحن نقول إن ذلك غير محال فإنه لا محيل له بل العقل دليل على إمكانه بل على استدعاء الطبع له. إلا أن هذا الكمال في الكشف غير مبذول في هذا العالم ، والنفس في شغل البدن وكدورة صفائه ، فهو محجوب عنه ، وكما لا يبعد أن يكون الجفن أو الستر أو سواد ما في العين سببا بحكم اطّراد العادة لامتناع الإبصار للمتخيلات فلا يبعد أن تكون كدورة النفس وتراكم حجب الاشغال بحكم اطراد العادة مانعا من إبصار المعلومات. فإذا بعثر ما في القبور