ليس بجهة فكيف لم يعرف موسى عليه أفضل الصلاة أنه ليس بجهة ، أو كيف عرف أنه ليس بجهة ولم يعرف أن رؤية ما ليس بجهة محال؟ فليت شعري ما ذا يضمر الخصم ويقدره من ذهول موسى صلىاللهعليهوسلم ، أيقدره معتقدا أنه جسم في جهة ذو لون ، واتهام الأنبياء صلوات الله سبحانه وتعالى عليهم وسلامه كفر صراح ، فإنه تكفير للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن القائل بأن الله سبحانه جسم وعابد الوثن والشمس واحد! أو يقول علم استحالة كونه بجهة ، ولكنه لم يعلم أن ما ليس بجهة فلا يرى ، وهذا تجهيل للنبي عليه أفضل السلام لأن الخصم يعتقد أن ذلك من الجليات لا من النظريات. فأنت الآن أيها المسترشد مخير من أن تميل إلى تجهيل النبي صلىاللهعليهوسلم تسليما ، أو إلى تجهيل المعتزلي ، فاختر لنفسك ما أليق بك والسلام.
فإن قيل : إن دلّ هذا لكم فقد دلّ عليكم ، لسؤاله الرؤية في الدنيا ودلّ عليكم قوله تعالى (لَنْ تَرانِي) (١) ودل قوله سبحانه (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٢).
قلنا : أما سؤاله الرؤية في الدنيا فهو دليل على عدم معرفته بوقوع وقت ما هو جائز في نفسه ، والأنبياء كلهم عليهم أفضل السلام لا يعرفون من الغيب إلا ما عرّفوا ، وهو القليل ، فمن أين يبعد أن يدعو النبي عليه أفضل السلام كشف غمة وإزالة بلية وهو يرتجي الإجابة في وقت لم تسبق في علم الله تعالى الإجابة فيه ، وهذا من ذلك الفن.
وأما قوله سبحانه (لَنْ تَرانِي) (١) فهو دفع لما التمسه ، وإنما التمس في الآخرة ، فلو قال أرني انظر إليك في الآخرة ، فقال لن تراني ، لكان ذلك دليلا على نفي الرؤية ، ولكن في حق موسى صلوات الله سبحانه وسلامه
__________________
(١) سورة الاعراف الآية : ١٤٣.
(٢) سورة الانعام الآية : ١٠٣.