لائقا بهذا
الإيجاز ولكن افتقر إليه لأن ما ذكر فيه غير مقنع ولا شاف. فقد فرغنا من إثبات أحد
الأصلين ، وهو أن العالم لا يخلو عن الحوادث ، فإنه لا يخلو عن الحركة والسكون
وهما حادثان وليسا بمنتقلين ، مع أن الإطناب ليس في مقابلة خصم معتقد ، إذ أجمع
الفلاسفة على أن أجسام العالم لا تخلو عن الحوادث ، وهم المنكرون لحدوث العالم.
فإن قيل : فقد بقي الأصل الثاني وهو قولكم إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث فما
الدليل عليه؟ قلنا : لأن العالم لو كان قديما مع أنه لا يخلو عن الحوادث ، لثبتت
حوادث لا أوّل لها وللزم أن تكون دورات الفلك غير متناهية الاعداد ، وذلك محال لأن
كل ما يفضي إلى المحال فهو محال ، ونحن نبين أنه يلزم عليه ثلاثة محالات :
الأول ـ أن ذلك لو
ثبت لكان قد انقضى ما لا نهاية له ، ووقع الفراغ منه وانتهى ، ولا فرق بين قولنا
انقضى ولا بين قولنا انتهى ولا بين قولنا تناهى ، فيلزم أن يقال قد تناهى ما لا
يتناهى ، ومن المحال البين أن يتناهى ما لا يتناهى وأن ينتهي وينقضي ما لا يتناهى.
الثاني ـ أن دورات
الفلك إن لم تكن متناهية فهي إما شفع وإما وتر ، وإما لا شفع ولا وتر ، وإما شفع
ووتر معا. وهذه الأقسام الأربعة محال ؛ فالمفضي إليها محال إذ يستحيل عدد لا شفع
ولا وتر ، أو شفع ووتر ، فإن الشفع هو الذي ينقسم إلى متساويين كالعشرة مثلا ،
والوتر هو أحد الذي لا ينقسم إلى متساويين كالتسعة ، وكل عدد مركب من آحاد إما أن
ينقسم بمتساويين ، أو لا ينقسم بمتساويين ، وأما أن يتصف بالانقسام وعدم الانقسام
، أو ينفك عنهما جميعا فهو محال ، وباطل أن يكون شفعا لأن الشفع إنما لا يكون وترا
لأنه يعوزه واحد ، فإذا انضاف إليه واحد صار وترا ، فكيف أعوز الذي لا يتناهى واحد؟
ومحال أن يكون وترا ، لأن الوتر يصير شفعا بواحد ، فيبقى وترا لأنه يعوزه ذلك
الواحد ، فكيف أعوز الذي لا يتناهى واحد؟
الثالث ـ أنه يلزم
عليه أن يكون عددان ، كل واحد منهما لا يتناهى ، ثم