أن أحدهما أقل من الآخر ، ومحال أن يكون ما لا يتناهى أقل مما لا يتناهى لأن الأقل هو الذي يعوزه شيء لو أضيف إليه لصار متساويا ، وما لا يتناهى كيف يعوزه شيء؟ وبيانه أن زحل عندهم يدور في كل ثلاثين سنة دورة واحدة ، والشمس في كل سنة دورة واحدة ، فيكون عدد دورات زحل مثل ثلث عشر دورات الشمس ، إذ الشمس تدور في ثلاثين سنة ثلاثين دورة ، وزحل يدور دورة واحدة ، والواحد من الثلاثين ثلث عشر. ثم دورات زحل لا نهاية لها وهي أقل من دورات الشمس ، إذ يعلم ضرورة أن ثلث عشر الشيء أقل من الشيء ، والقمر يدور في السنة اثنتي عشرة مرة ، فيكون عدد دورات الشمس مثلا نصف سدس دورات القمر ، وكل واحد لا نهاية له وبعضه أقل من بعض ، فذلك من المحال البين ، فإن قيل : مقدورات الباري تعالى عندكم لا نهاية لها وكذا معلوماته ، والمعلومات أكثر من المقدورات إذ ذات القديم تعالى وصفاته معلومة له وكذا الموجود المستمر الوجود ، وليس شيء من ذلك مقدورا. قلنا نحن : إذا قلنا لا نهاية لمقدوراته ، لم نرد به ما نريد بقولنا لا نهاية لمعلوماته بل نريد به أن لله تعالى صفة يعبر عنها بالقدرة ، يتأتى بها الايجاد ، وهذا الثاني لا ينعدم قط.
وليس تحت قولنا ـ هذا الثاني لا ينعدم ـ إثبات أشياء فضلا من أن توصف بأنها متناهية أو غير متناهية ، وإنما يقع هذا الغلط لمن ينظر في المعاني من الألفاظ فيرى توازن لفظ المعلومات والمقدورات من حيث التصريف في اللغة ، فيظن أن المراد بهما واحد. هيهات لا مناسبة بينهما البتّة ، ثم تحت قولنا المعلومات لا نهاية لها أيضا سر يخالف السابق منه إلى الفهم ، إذ السابق منه إلى الفهم إثبات أشياء تسمى معلومات لا نهاية لها ، وهو محال ، بل الأشياء هي الموجودات ، وهي متناهية ، ولكن بيان ذلك يستدعي تطويلا.
وقد اندفع الإشكال بالكشف عن معنى نفي النهاية عن المقدورات ، فالنظر في الطرف الثاني وهو المعلومات مستغنى عنه في دفع الالزام ، فقد بانت صحة هذا الأصل بالمنهج الثالث من مناهج الأدلة المذكورة في التمهيد الرابع