والسرّ فيه ، أن المحل وإن كان لازما للعرض كما أن الحيز لازم للجوهر ، ولكن بين اللازمين فرق : إذ رب لازم ذاتي للشيء ، ورب لازم ليس بذاتي للشيء ، وأعني بالذاتي ما يجب ببطلانه بطلان الشيء ، فإن بطل الوجود بطل به وجود الشيء ، وإنّ بطل في العقل بطل وجود العلم به في العقل ، والحيز ليس ذاتيا للجوهر فإنا نعلم الجسم والجوهر أولا ثم ننظر بعد ذلك في الحيز ، أهو أمر ثابت أم هو أمر موهوم ونتوصل إلى تحقيق ذلك بدليل وندرك الجسم بالحس في المشاهدة من غير دليل. فلذلك لم يكن الحيز المعين مثلا لجسم زيد ذاتيا لزيد ، ولم يلزم من فقد ذلك الحيز وتبدله بطلان جسم زيد ، وليس كذلك طول زيد مثلا لأنه عرض في زيد لا نعقله في نفسه دون زيد ، بل نعقل زيدا الطويل ، فطول زيد يعلم تابعا لوجود زيد ويلزم من تقدير عدم زيد بطلان طول زيد ، فليس لطول زيد قوام في الوجود وفي العقل دون زيد. فاختصاصه بزيد ذاتي له ، أي هو لذاته لا لمعنى زائد عليه هو اختصاص ، فإن بطل ذلك الاختصاص بطلت ذاته والانتقال يبطل الاختصاص فتبطل ذاته ، إذ ليس اختصاصه بزيد زائدا على ذاته ، أعني ذات العرض ، بخلاف اختصاص الجوهر بالحيز فإنه زائد عليه فليس في بطلانه ، بالانتقال ما يبطل ذاته ، ورجع الكلام إلى أن الانتقال يبطل الاختصاص بالمحل ، فإن كان الاختصاص زائدا على الذات لم تبطل به الذات ، وإن لم يكن معنى زائدا بطلت ببطلانه الذات ، فقد انكشف هذا وآل النظر إلى أن اختصاص العرض بمحله لم يكن زائدا على ذات العرض كاختصاص الجوهر بحيزه ، وأما العرض فإنه عقل بالجوهر لا بنفسه فذات العرض وكونه للجوهر المعين وليس له ذات سواه. فإذا قدرنا مفارقته لذلك الجوهر المعين فقد قدرنا عدم ذاته ، وإنما فرضنا الكلام في الطول لتفهيم المقصود فإنه وإن لم يكن عرضا ولكنه ، عبارة عن كثرة الأجسام في جهة واحدة ، ولكنه مقرب لغرضنا إلى الفهم ، فإذا فهم فلننقل البيان إلى الأعراض. وهذا التوفيق والتحقيق وإن لم يكن