ولا يعلم أنه ليس باضلال ، والجواب أن نقول :
أما الشبهة الأولى فضعيفة ؛ فإن النبي صلىاللهعليهوسلم يرد مخبرا بما لا تشتغل العقول بمعرفته ، ولكن تستقل بفهمه إذا عرف ، فإن العقل لا يرشد إل النافع والضار من الأعمال والأقوال والأخلاق والعقائد ، ولا يفرق بين المشقى والمسعد ، كما لا يستقل بدرك خواص الأدوية والعقاقير ، ولكنه إذا عرّف فهم وصدّق وانتفع بالسماع فيجتنب الهلاك ويقصد المسعد ، كما ينتفع بقول الطبيب في معرفة الداء والدواء ، ثم كما يعرف صدق الطبيب بقرائن الأحوال وأمور أخر ، فكذلك يستدل على صدق الرسول عليهالسلام بمعجزات وقرائن وحالات فلا فرق.
فأما الشبهة الثانية ، وهو عدم تمييز المعجزة عن السحر والتخيل ، فليس كذلك ، فان أحدا من العقلاء لم يجوز انتهاء السحر إلى إحياء الموتى ، وقلب العصا ثعبانا ، وفلق القمر ، وشق البحر ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وأمثال ذلك. والقول الوجيز إن هذا القائل إن ادعى أن كل مقدور لله تعالى فهو ممكن تحصيله بالسحر فهو قول معلوم الاستحالة بالضرورة ، وإن فرّق بين فعل قوم وفعل قوم فقد تصور تصديق الرسول بما يعلم أنه ليس من السحر ويبقى النظر بعده في أعيان الرسل عليهمالسلام وآحاد المعجزات وأن ما أظهروه من جنس ما يمكن تحصيله بالسحر أم لا ، ومهما وقع الشك فيه لم يحصل التصديق به ما لم يتحد به النبي على ملأ من أكابر السحرة ولم يمهلهم مدة المعارضة ولم يعجزوا عنه ، وليس الآن من غرضنا آحاد المعجزات.
وأما الشبهة الثالثة ، وهو تصور الإغواء من الله تعالى والتشكيك لسبب ذلك ، فنقول : مهما علم وجه دلالة المعجزة على صدق النبي ، علم أن ذلك مأمون عليه ، وذلك بأن يعرف الرسالة ومعناها ويعرف وجه الدلالة فنقول : لو تحدّى إنسان بين يدي ملك على جنده أنه رسول الملك إليهم وأن الملك أوجب طاعته عليهم في قسمة الأرزاق والاقطاعات ، فطالبوه