بحكم إجراء العادة ، ويصدر منه فعل هو دلالة الشخص على ذلك الخبر وعلى أمره بتبليغ الخبر ، ويصدر منه فعل خارق للعادة مقرونا بدعوى ذلك الشخص الرسالة ، فليس شيء من ذلك محالا لذاته ، فإنه يرجع إلى كلام النفس وإلى اختراع ما هو دلالة على الكلام وما هو مصدق للرسول وإن حكم باستحالة ذلك من حيث الاستقباح والاستحسان ، فقد استأصلنا هذا الأصل في حق الله تعالى ثم لا يمكن أن يدعي قبح إرسال الرسول على قانون الاستقباح ، فالمعتزلة مع المصير إلى ذلك لم يستقبحوا هذا فليس إدراك قبحه ولا إدراك امتناعه في ذاته ضروريا فلا بد من ذكر سببه ، وغاية ما هو به ثلاثة شبه :
الأولى : قولهم : إنه لو بعث النبي بما تقتضيه العقول ففي العقول غنية عنه وبعثة الرسول عبث ، وذلك وعلى الله محال ، وإن بعث بما يخالف العقول استحال التصديق والقبول.
الثانية : إنه يستحيل العبث لأنه يستحيل تعريف صدقه ، لأن الله تعالى لو شافه الخلق بتصديقه وكلمهم جهارا فلا حاجة إلى رسول ، وإن لم يشافه به فغايته الدلالة على صدقه بفعل خارق للعادة ، ولا يتميز ذلك عن السحر والطلسمات وعجائب الخواص وهي خارقة للعادات عند من لا يعرفها ، وإذا استويا في خرق العادة لم يؤمن ذلك فلا يحصل العلم بالتصديق.
الثالثة : إنه إن عرف تمييزها عن السحر والطلسمات والتخيلات فمن أين يعرف الصدق؟ ولعل الله تعالى أراد إضلالنا وإغواءنا بتصديقه ولعل كل ما قال النبي إنه مسعد فهو مشقي ، وكلما قال مشقي فهو مسعد ، ولكن الله أراد أن يسوقنا إلى الهلاك ويغوينا بقول الرسول ، فإن الإضلال والإغواء غير محال على الله تعالى عندكم ، إذ العقل لا يحسن ولا يقبح ؛ وهذه أقوى شبهة ينبغي أن يجادل بها المعتزلي عند رومه إلزام القول بتقبيح العقل ، إذ يقول : إن لم يكن الاغواء قبيحا فلا يعرف صدق الرسل قط