بلسان التوحيد ..
ثم إنّ ذلك العزيز .. صفيّ الأصفياء وأحكم الحكماء .. قد تجاوز حدود زمانه ومكانه .. وإذا بنا نعي أكثر فأكثر أنّ تاريخنا ليس كله ظلمة وظلما ، ففي بقايا لياليه ومضات وبروق ، وفي دياجيره متألقات وأهلّة .. وفي غياهب جوره غرر حسان وأيام بيض وشموس ضاحكات .. ثم أمطار هطلت بها سماء الحقّ على صحار قحطى فكانت رذاذا تارة وطورا عبابا!
وكذا كان من أمره عليهالسلام ما كان .. وكذا به فوجئ من فوجئ .. فكان ضوءا يشرق من فضاء العدل الإلهي على العيون العبرى والقلوب الممتلئة بصراخ يحدوه أمل اللقاء بمنصف الضعفاء ..
فمثل تلك الصفحات المشرقة في تاريخنا بإمام ديننا لهي ما تؤهّلنا إلى أن نعيد النظر في أنفسنا من جديد تحطيما لقيود كبّلتنا بها عصور الظلمات الطويلة ..
ولمّا كان الإنسان مجبولا على حبّ العظماء وحب الاقتداء بهم .. ولمّا كان الإسلام مفتقرا إلى بطل لا كالأبطال .. إلى عبقريّ يقود زمام العقول ويتحدّى أسنة الرماح .. إلى جليل يكن لحبيبه محمّد أصفى صفيّ .. ما كان من حلّ أوفى من بزوغ فجر عليّ روحي لتراب قدميه الفداء .. فو ربّ البطحاء! ما كان للإسلام ذكر لولاه وما كانت لنا جرأة على التغنّي بإسلام لم يكن أمير المؤمنين عليّ مولاه! ..
ولعمر الحقّ! قليل جدا من عظماء التاريخ من يبذر في عقلك إيمانا مطلقا بكرامة الإنسان وحقّه المقدّس بالقدر الذي فعله الإمام علي عليهالسلام .. لا بل معدومة حقا تلك الفئة! .. فكأنّ الإمام عليهالسلام ينزع بتلك العدالة عن لسان الطبيعة وقلب الحياة .. بل وكأنه نزع منها عقله الوضّاء .. ماء الحياة الذي حيّر العظماء ..