يجهل حينئذ موته وقد فارقت روحه الدنيا أو يحتمل ذهابه إلى مناجاة ربه وهو مسجّى بينهم؟!!
بل لا نرى ذلك منه إلا دهاء ومكرا وكيدا لعلمه أن الهاشميين وبعض الصحابة الأكابر كسلمان وعمار والمقداد وأبي ذر وحذيفة وأمثالهم يريدون بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام فخاف أن يبايعوه ويتبعهم الناس لسبق أمر الغدير فادّعى أن النبيّ ما مات ليشغل الناس بهذا الكلام ، فيحصل لبيعة الإمام علي عليهالسلام تأخير حتى يأتي أبو بكر من منزله بالسنح ليعملا رأيهما ويمضيا على ما أبرماه وأصحابهما في الصحيفة من منع أمير المؤمنين عليهالسلام خلافته ، ولما حضر أبو بكر لم يسعه العدول عن مقالته دفعة بل بقي يتكلم إلى أن قرأ أبو بكر الآية (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ...) فأظهر المغلوبية وزعم كأنه لم يسمعها ، ومن أنصف وعرف بعض أحوال عمر صدّق بما قلناه ، فالأصح أن عمر لم يجهل وإنما تجاهل ، فالطعن عليه من هذا الباب ، وإن كان جاهلا في كثير من الأحكام وهو طعن آخر عليه يختلف بمضمونه عن هذا الطعن فتأمل.
شبهة وردّ :
ادّعى ابن أبي الحديد أن عمر بن الخطاب هو أول من سنّ للشيعة بطول عمر الإمام المهدي عليهالسلام وعجّل الله فرجه الشريف الميمون حيث نسب إلى رسول الله عدم الموت ، فعلى الشيعة أن يشكروه على ما أسس لهم من هذا الاعتقاد (١).
يرد عليه :
أولا : إن اعتقاد الشيعة بغيبة الإمام وأنه لم يمت بل سيرجع لم يأخذه المسلمون الشيعة عن عمر بن الخطاب حتى يجب عليهم شكره ، وإنما هو مبدأ قرآني أيدته النصوص الشريفة عن النبيّ وآله الطاهرين.
ثانيا : ما دام القول بطول عمر الإمام المهدي عليهالسلام من ابتكارات عمر فلما ذا
__________________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٢ / ٣٢٣.