ولو فرضنا أن مراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أمرا وراء ذلك ، فليس هذا الاعتذار إلّا التزاما للمفسدة وقولا بأن النبيّ حاول أن يكتب عبثا لا فائدة فيه أصلا ، وكان قوله «لا تضلوا بعده أبدا» هجرا من القول وهذيانا محضا ، ولو كانت الوصاية بالعترة كافية فلم لم يتمسك عمر بعد النبيّ بها ، ولا رآهم أهلا للخلافة ولا للمشورة فيها ، فترك الرسول والعترة عليهمالسلام وسارع إلى سقيفة بني ساعدة لعقد الخلافة لأبي بكر؟!
ثالثا : لقد ادّعى النّووي أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله ذلك.
لكنه مرفوض وذلك لأنه :
لو كان ما ذكره النووي صحيحا فلم قال عمر «حسبنا كتاب الله» في حين أن عمر نفسه خطط لاستلام أبي بكر الخلافة ، بل يمكننا القول إن عمر هو الرأس المدبّر لذلك (١) ، من هنا أفصح أمير المؤمنين عن هوية تحرّك عمر لأخذ البيعة لأبي بكر من جموع الصحابة ، فقال عمر بن الخطاب للإمام علي عليهالسلام : «إنك لست متروكا حتى تبايع ، فقال عليهالسلام :
احلب حلبا لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا ، ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه» (٢).
فمن يجرّ الأمر لنفسه لا يرفض أمر النبيّ بكتابة الكتاب ، ثم أنه نفسه النووي يروي أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم استخلف أبا بكر على الأمة عند ما قدّمه في الصلاة ، ومعناه أن المسلمين ـ بحسب هذا الادّعاء الموهوم ـ كانوا على علم تام بأن أبا بكر هو الخليفة ، فعلام إذا الخلاف عليه بعد وفاة النبي؟ ولما ذا منعوا النبيّ من تسطير الكتاب ليؤكد على خلافة أبي بكر؟!!
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في الشرح ج ١ / ١٣٥ : أن عمر هو الذي شيّد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها ..
(٢) الإمامة والسياسة ص ٢٩ فصل تخلّف سعد بن عبادة عن البيعة.