فحصرت بعضهم في نطاق من الناس لا يتخطاه آخرون ، ولا يجوزه نظر ، فإذا بالدائرة تتسع حتى تشمل الخلق جميعا ، وإذا بالعظيم الحق لا يخصّ طائفة من البشر ، ولا قوما دون قوم ، وإذا بسقراط للأغارقة والهنود والعرب والعجم ، وإذا غيره من العظماء لكل العالمين ، وإذا بأمير المؤمنين علي عليهالسلام عظيم طائفة العظماء في الشرق والغرب ، بل لا يقاس بشخصه المبارك عظيم من العظماء على الإطلاق ، مثله مثل الشمس إذ تغمر الأرض : سهولها وجبالها وقممها ووديانها ، برّها وبحرها ، فما على الإنسان إلّا أن يستنير بنورها ، فلا يقيم دونه حدودا وجدرانا.
في تاريخ الشرق ، كما هي الحال في تاريخ البشر جميعا ، غزاة ومجرمون ولصوص محترفون وأغبياء وتافهون ، شاء منطق العصور القديمة والمتوسطة والحديثة أن يجعل منهم في حياتهم ملوكا وقادة وأصحاب قول فصل وأمر مطاع ، وأن يصنع منهم بعد هلاكهم أبطالا وعظماء ، فخلع عليهم في الحالين الألقاب الضخمة بغير حساب ، وها نحن ما نزال تصفع وجوهنا في الكتب التي يتنافس في تلفيقها بعض حملة الألقاب ، صفحات باردة كأنها الزمهرير من بطولات أولئك المجرمين ، وفصول من عظمة اولئك التافهن ، حتى ليوهم هذا النمط من المؤلفين قراءهم بأن البطولة ليست إلا نوعا من تصرّف النخاسين ، وبأن العظمة ليست إلّا شيئا من البراعة في النهب والسلب والاغتصاب والتقتيل والتدمير ، ثم التبجح بالجريمة والظلم والزهو بالتفاهة والاعتزاز بصناعة الترويع والتجويع وكل أمر فظيع ...
من الأمور التي نستيقظ عليها في دراسة بعض جوانب شخصيّة مولى الثقلين علي عليهالسلام ولا سيّما مقارعته للظالم ونصرته للمظلوم ومن معاندته للاستعباد والاستغلال إلى العمل على تقويض أسبابهما بسنّ أنظمة ودساتير لهي بحقّ من صنع مخلوق اصطفاه الله واجتباه فكان له داعية .. لاثما أعتاب الحقّ