لكنه غادر الدنيا قبل أن يكمل إبلاغ رسالته ، لقد عاش وقضى كما يعيش الأنبياء في بلدان ليست ببلادهم ويحيون في زمان غير زمانهم ، لكنّ لله حكمته ، فهو الأعلم بمصالح البشر والخبير بشئونهم.
لقد رحل مولاي علي روحي فداه عن الدنيا شهيد عظمته وعدالته ، وأغمض عينيه وشفتاه ترتلان ذكر الله عزوجل ، وقلبه قد اشتعل بحب الله تعالى والشوق إلى لقائه.
إن شموخ المرتضى عليهالسلام بين منحدرات هبطت بعيد أيامه ، وتشققت بها الأرض حتى ما يبين لها قعر ، شموخ في الفكر والقلب ، خليق بنا أن ننظر إليه كما ننظر إلى كل قمة في تاريخ الإنسانية الواحد. وما ضيّق على الإنسان آفاقه في القديم والحاضر إلّا ما ارتضاه لنفسه من حدود شادها الضلال وركّزتها العادة ، وشمخ بها التاريخ جيلا بعد جيل.
وما عطّل على بصيرة المرء رؤية الرحاب الرحبة والمسافات البعيدة والقمم الشاهقة إلّا غيوم ثقيلات حيث يتنفس الجهل من خلالها فتتراكم وتزدحم وتطغى وتسوّد ، ولطالما ضاقت هذه الحدود في أكثر عهود التاريخ ، فعطلت مواهب الإنسان التي أوتيها لاكتشاف ينابيع الخير وراء الحدود ، ولطالما طغت هذه الغيوم وتجهّمت فمنعت عن الإنسان أن يسبح في اللّج ويشتد جريا في مناكب الأرض. أما ينابيع الخير هذه ، وأما السماء واللّج ومناكب الأرض وما تحوي ، فما هي في كثيرها إلّا أكفّ العظماء الحقيقيين الذين مرّوا في هذه الأرض مرور الغمام الخيّر فوق الصحارى البيد! غمام يمرّ كالأمل المشرق في عتمة اليأس. وتهطل في جنبات الصحارى هطول الحياة في جفاف اليبس ، ثم تمضي وهي تاركة وراءها الخضرة والنضرة والرواء والسقيا لقوم جياع عطاش! لقد طويت صفحات التاريخ السود ، وبكت على نفسها تلك الضلالات والغباوات التي حدّت الإنسان بطرا وبصيرة ، وضيّقت على العظماء