غصت بفضائله ورأينا آثار العدو والصديق قد ملئت بفضائله ومآثره العالية والسامية ، وهو ممتنع لأن الشمس تخطف الأبصار ، وممتنع لأن القلم يتكسّر عند ما يريد أن يخط حدود مقامه ، ويرسم شموخه وتعاليه ، واللسان يتلجلج أو يخرس فيغدو المصقّع ألكن إذا أراد تبيان فضائله ومناقبه.
كيف ومتى يمكن الحديث عن شخص كان أعظم أعاظم العالم ، ووحيد الزمان الذي عقم أن يلد مثله ، ولم ير نظيره شرق العالم وغربه في غابر الزمان وحاضره إلّا الرسول محمد وآله الميامين ، وأيّ قلم يقوى على أن يسطّر ما يتعلق بشجاعة ورجولة ذلك الإمام الهمّام الذي ينبع الخير والعطاء من معين وجوده ، فهو العظيم في كل شيء ، ولم تكن عظمته في ميدان الحرب فحسب كما يفهمه العاديون ، بل كانت عظمته في نقاء سريرته وحسن طويته ، وحرارة إيمانه ، وعلوّ همته ، وكانت تضيء في يده مشاعل البطولة والملاحم ، حيث الشجاعة الحيدرية تفوق شجاعة البشر غير أنها كانت مشوبة باللطف والرحمة والعاطفة والرأفة.
فما ذا يمكن أن يقال في حق شجاع لا يجارى ، ومقدام كان يقاتل بين يدي رسول الله ، وحيدا فريدا ، كما كان وحيدا فريدا بين أقرانه : وحيدا لكونه ليس له نظير أو شبيه إلّا صنوه محمّد رسول الله ، ووحيدا لأن العالم لم يعرفه ، ولأن الذين حوله كانوا غرباء عنه مع قربهم منه ، وفريدا لأن الله حباه بخصال قلّ نظيرها بل فقد شبيهها في عالم الخلقة ، فكان عليهالسلام ـ على حد تعبير أحد الفلاسفة الاجتماعيين ـ كسقراط في قومه : عبقريا غريبا أحبّهم فأنكروه وعلّمهم فلم يفهموه.
ضمن هذا المنطلق لم يكن الإمام علي عليهالسلام مؤمنا كبيرا فحسب إنما كان مسئولا بدوره عن الإيمان ، وعن ترسيخه وتجذيره في نفوس معتنقيه ، من هنا لا تقاس سيرته إلّا ضمن مفهوم الرسولية.