من النبي أن يقرأ من خلال إلهام الله له ، ومن سماع الوحي من جبريل ، فإن المطلوب من المؤمنين ، ومن الناس جميعا ، أن يقرءوا القرآن بعد أن يكتمل نزوله ، لينطلقوا منه إلى كل مواقع الحقيقة الإلهية في العقيدة والتشريع. ثم كانت الجملة الاعتراضية التي تعمل على وضع الكلمة الخطاب في نطاق الرحمة الإلهية التي تفيض بكل كرم الرب الأكرم الذي انطلق كرمه على عباده ، وهو الأكرم الذي لا يبلغ أحد كرمه ، ولا أيّة صفة من صفاته ، لأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١]. ومن مظاهر كرمه ارتفاعه بالإنسان إلى المستوى الرفيع في المعرفة الذي ينفتح به على كل حقائق الحياة. إنه (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) الذي يحفظ للإنسانية كل العلم الصادر من الوحي أو المنطلق من فكر الإنسان ، في ما هو التأمل ، وفي ما هي التجربة ، ليبقى زادا لكل جيل ، ومنطلقا لكلّ تقدّم وتطوّر في تكامل الفكر ونمو التجربة في ما هو العلم الإلهيّ ، وفي ما هو العلم الإنساني العقلي والتجريبي ، لمواجهة كل ظلام الجهل الذي يطبق على مصير الإنسان ليفرض عليه التخلّف في كل مواقعه.
* * *
علّم الإنسان ما لم يعلم
(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فقد ولد الإنسان صفحة بيضاء لا يملك أيّ حرف للمعرفة في ذاته ، في ما هي تفاصيل الوجود ، وكليات الحقائق وجزئياتها ، ثم أعطاه الله العقل ، وزوّده بالحواسّ ، وقدّم إليه مفردات العلم في ما يتحرك في عالم الحسّ ، ثم أعانه على ترتيب ذلك من أجل أن ينتج علما جديدا. ومن ثمّ ، يتحرك في دائرة أخرى لينتج علما آخر ، أو فكرا آخر ، ومن خلال ذلك ، تتوسع علامات الاستفهام لتبحث عن الأجوبة في فكر جديد وبحث جديد ... وهكذا تتطور حركة العلم ، لتتطور معها آفاقه ، ليعلم (الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) من