كتاب الله المفتوح الذي ينطق بالأسرار المخزونة في الأعماق ، أو المعلّقة في السماء ، أو المنفتحة على عالم الإنسان. ويلاحظ أن الرواية كانت توحي بالقراءة للكلمة المسموعة لا المكتوبة ، فلا تنافي كونه أمّيا ، ولكن المعرفة التي يدعو الله الإنسان ـ النبي ، والإنسان ـ غير النبي ، إلى الأخذ بها من خلال القراءة ، هي المعرفة التي تبدأ باسم الله ، لتقول له :
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فإذا كان الله هو الذي بدأ خلق الوجود كله ، فلا بد من أن تبدأ القراءة باسمه ، لأنه الذي أعطاك نعمة ذلك ، وهو الذي يريدك أن تجعل القراءة أساسا للوصول إلى المعرفة الخيّرة ، التي تبني الحياة ولا تهدمها ، وتقترب من الله ولا تبتعد عنه ، لتكون المعرفة منسجمة مع خطّ وحيه ، ومع الغاية التي خلق الخلق من أجلها ، في الذوبان في عمق المعنى الكوني المنفتح على عبادة الله الذي (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) ـ وهو الدم الجامد الذي تحوّل بقدرة الله إلى هذا الإنسان السويّ العاقل ، المستقيم في خلقته وفي إرادته وفي كل أسرار حياته. فهل تعرف كيف تستوحي من ذلك أن القراءة لا بد من أن تكون باسمه ، لتنسجم المعرفة الناشئة منها ، مع النظام الكوني والإنساني الذي أراده أن يتوازن في وجوده وفي حركته وفي سنن الله المودعة فيه؟
* * *
الإسلام ينطلق من عمق المعرفة
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) إنه التأكيد الذي يكرر الكلمة ليؤكد الفكرة ، للإيحاء بأن هذا الدين الجديد ينطلق من عمق المعرفة المتمثلة بالقراءة كوسيلة من وسائل الانفتاح عليها ، كما يوحي بأن الرسالة ستنطلق في كتاب تتكامل آياته في كل فكر الرسالة وشريعتها ومنهجها الموحى به من الله. وإذا كان المطلوب