ويبقى الغموض في تفاصيل النّبأ العظيم ، لكنّه ليس الغموض الّذي يثير العجب في جعله موردا للسّؤال ، لأنّه معلوم لكلّ أحد ، حتّى أنه لا يحتاج أحد إلى ذكره.
* * *
نعم الله في تسيير سنن الوجود
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) في ما أودعناه فيها من سنن الوجود وقوانينه فيها ، بما يجعلها صالحة للسكن ، لما تتضمنه من كل لوازم الحياة الضرورية لنموّ الإنسان واستمراره كالغذاء والماء والكساء ، وغيرها من حاجات الإنسان التي تتوقف عليها حياته ، وينطلق فيها دوره المميز في خلافته في الأرض ، وبناء الحياة العامة على الأسس الثابتة التي يريدها الله ، في نظام حيّ متوازن مترابط الخصائص ، متناسق الأبعاد ، بحيث لو اختلّ جزء منه اختلت الحياة لديه في عمقها وحركتها وامتدادها. وهذا هو ما نستوحيه من اعتبار الأرض مهادا ، في ما يتمثل فيها من التمهيد المادي في انبساطها ، ومن التمهيد المعنوي في عناصره الروحية والأخلاقية المتصلة .. فإذا كانت الكلمة لا تفي بمدلولها اللغوي بذلك ، فإنها تدل بمدلولها الإيحائيّ عليه.
(وَالْجِبالَ أَوْتاداً) ، لأنها تثبّت الأرض في الميدان ، تماما كما تثبّت الأوتاد الخيمة وتحفظ توازنها ، وتحول بالتالي ، دون سقوطها متهالكة على الأرض. ولكن كيف يتم ذلك؟ فهل أنها ـ كما يقال ـ تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال؟ أو أنها تعادل بين التقلّصات الجوفية للأرض والتقلّصات السطحية؟ أو أنها تثقل الأرض في نقاط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية؟ أو لشيء آخر مما غاب عنا علمه؟ وقد يكون التعبير من جهة الصورة الظاهرة التي توحي بها صورة الجبال