خلال الموهبة والإحساس والعقل والإرادة التي قدّرها الله في عمق شخصيته ، وفي سرّ وجوده.
وهكذا نجد أن هذه الآيات التي نزلت في بداية الرسالة ، كما هو المشهور بين المفسرين ، أو بعدها بقليل ، كما هو المعروف لدى بعض منهم ، تضع أمام الإنسان عنوان هذه الرسالة وهي القراءة باعتبارها دليلا للمعرفة ، والكتابة التي هي سر خلود المعرفة وامتدادها في ما يخط بها القلم ما أنتجه الإنسان ، وما حصل عليه بالوحي من علوم ، ثم تحدد له الحقيقة الإيمانية ، وهي أن الله هو الذي خلق الإنسان من علق ، وطوّر هذه القطعة الجامدة من الدم لتتحوّل إلى إنسان سويّ عاقل مفكر مريد منفتح على المعرفة من خلال الحواسّ الخمس والعقل الذي يتحرك في دائرتها ، وأن الله هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم. وإذا عرفنا أن الله قد تحدث عن خلق الإنسان كمظهر لعظمته ، وعن علم الإنسان ، كمظهر آخر ، فإن معنى ذلك ، أن الله يريد من الإنسان أن يختزن في وعيه أن العلم يمثل القيمة العظيمة الكبيرة التي تدلّ على سرّ قدرته ، كما تدلّ على سرّ نعمته في حياة الإنسان الذي لا بد له أن يشكر هذه النعمة فيحوّل علمه إلى خدمة الله والحياة.
* * *