الكفر المحض
وهذا حديث عن الإنسان الذي يكفر بالله ، فلا يتطلع إلى مواقع عظمته في خلقه ، ولا إلى مواقع نعمه في حياته ، مما يجعل من كفره ، بهذه الحقيقة الواضحة ، كفرا بما لا يجوز الكفر به ، لأن مجرد التفكير به يدفع إلى الإيمان به.
(قُتِلَ الْإِنْسانُ) كلمة دعاء عليه ، وإيحاء بتفظيع أمره وتقبيحه ، باعتبار أنه فعل يستحق عليه القتل ، لخطورة نتائجه ، (ما أَكْفَرَهُ) أي ما أشدّ كفره وجحوده وتمرده على ربّه ، فإنه يستوجب العجب ، في إنكاره ما لا يجوز إنكاره من حقيقة الإيمان بربه ، لأنه جمّد عقله عن الحركة في اتجاه اكتشاف الأسس التي يرتكز عليها الإيمان.
(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) هو طرح هذا السؤال على نفسه؟ وهل فكر في أصله؟
(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) ما قيمة هذه النطفة؟ وما ذا تملك في ذاتها من العناصر الذاتية للنمو؟ إنها ـ ككل الأشياء ـ لا تملك القدرة ، ولكن الله هو الذي يقدّر لها طبيعة النمو ، وحركة التحوّل ، وعناصر التنوّع ، وسرّ الحياة ، بالمستوى الذي يصل فيه هذا الموجود الحقير إلى أن يكون خلقا سويّا يملك السمع والبصر والحس والعقل والإرادة.
* * *
(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)
(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) أي مهّد للإنسان سبل الحياة في ما سخّره له من ظواهرها المتصلة بوجوده ، كما مهّد له سبل الهداية في ما فتحه له من طرق معرفة الخير والشرّ ، ليختار ما يريده منها ، وفي ما أودعه ، في ذاته ، من عناصر