(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) لأن القضية قضية المصير الذي لا يملك أحد تبديله بأيّة وسيلة من الوسائل التي كان يستعملها في الدنيا ، عند ما تزدحم المشاكل في ساحته ، وتشتد الضغوط عليه ، فيلجأ إلى ماله أو إلى أهله أو ولده أو عشيرته ، فإن الدنيا في خطها التاريخي العملي هي التي تحدد الصورة الأخيرة للمصير الإنساني ، (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، مما يجعل من كل إنسان إنسانا مشغولا بما يقدم عليه في شأنه الجزائي ، فهل يقدم على الجنة أو يقدم على النار؟! فليس لديه فراغ لغيره وليس عنده فضلة لسواه ، إنه همّه الكبير الذي لا همّ أكبر منه ، وهو شأنه العظيم الذي لم يطرأ في حياته شأن مثله ، فعلى الآخرين من أهله أن يتركوه ليفكر في همه ، وأن يدعوه وشأنه ، فلا يشغلوه بشيء من أمرهم.
إنه الموقف العظيم الذي ترى مستقبل الناس وماضيهم في وجوههم ، لأن تاريخ الإنسان الأسود والأبيض يتحوّل إلى إشراق وظلمة في ملامح وجهه ، كما أن مصيره المستقبلي ينطبع على وجهه في الصفاء الذي يموج في بسمات العيون والشفاه أو في الغبرة المشبعة بالسواد في كل الملامح المتعبة.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) مشرقة بالنور الذي يتلألأ في لمعات عيونهم وفي إشراقة وجوههم ، (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) فهي تضحك ضحكة السعادة حتى لتحسّ بضحكة العينين قبل ضحكة الشفتين ، وهي تستبشر بما أعطاها الله من فضله ، وأعدّه لها من ثوابه ، وهذه هي وجوه المؤمنين المتّقين.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) في ملامح الحزن والحسرة والهم الكبير التي تكدّر الوجه بما يشبه الغبار ، (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) وهو السواد الذي يعلو الوجوه ، فتحسّ