لموسى عليهالسلام ، ولا توحي بأيّ شيء مماثل ، مع ملاحظة أن الاطلاع على التوراة لا يفرض معرفة هذه التفاصيل التي لم تذكر فيها ، وما ذكر لا يعدو التبشير به ، لا كيفية إرساله.
الملاحظة الخامسة : ما ذكره صاحب مجمع البيان تعليقا على هذه الأجواء التي ورد ما يشبهها في تفسير سورة المدثر قال : «لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيّرة والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى ، فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق» (١).
وجاء في تفسير الميزان ـ للعلّامة الطباطبائي ـ تعليقا على هذه الرواية قال : «والقصة لا تخلو من شيء ، وأهون ما فيها من الإشكال ، شكّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كون ما شاهده وحيا إلهيا من ملك سماويّ ألقى إليه كلام الله ، وتردّده ، بل ظنّه أنه من مسّ الشياطين بالجنون ، وأشكل منه سكون نفسه في كونه نبوّة إلى قول رجل نصرانيّ مترهّب ، وقد قال تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) [الأنعام : ٥٧] ، وأيّ حجة بيّنة في قول ورقة؟ وقال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف : ١٠٨] فهل بصيرته صلىاللهعليهوآلهوسلم هي سكون نفسه إلى قول ورقة؟ وبصيرة من اتبعه سكون أنفسهم إلى سكون نفسه إلى ما لا حجة فيه قاطعة؟ وقال تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) [النساء : ١٦٣] ، فهل كان اعتمادهم في نبوّتهم على مثل ما تقصه هذه القصة؟
والحقّ أن وحي النبوّة والرسالة يلازم اليقين من النبي والرسول بكونه من الله تعالى ، على ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام» (٢).
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١٠ ، ص : ٥٧٩ ـ ٥٨٠.
(٢) تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ٣٧٦ ـ ٣٧٧.