الزمن ، لم يتركك وحدك أمام النظرات الحاقدة أو الساخرة التي ينظر بها الكافرون إليك ، ولم يرفع عنك ألطاف رعايته ورحمته المتمثلة برسالته التي اصطفاك لها ، ولم تتحول محبته لك إلى بغض ، فأنت لم تبتعد عن عين رعايته ، وعن موقع محبته ، وعن فيوضات رحمته ورضوانه ، في ما أولاك من نعمته في الدنيا ، وما وعدك به من أفضل الخير في الأخرى ، التي ستجد فيها ما يعوّضك عن كل الأتعاب التي عانيت منها في الحياة الأولى.
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) لأن الآخرة مبنية على الخلود في نعيمها ، أمّا الأولى ، فمبنيّة على الفناء والزوال في كل لذّاتها وشهواتها ، فلا قيمة لنعيم زائل ، أمام النعيم الباقي.
* * *
ولسوف يعطيك ربك فترضى
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) لأن الله لن يهمل أمر عبده ورسوله ، ولن يتركه في حالة الحرمان ، أو في متاهات الضياع ، بل سيتعهده برعايته ولطفه ، ليرضي قلبه برضوانه ، ويشمل حياته برحمته. وما يصحّ بالنسبة إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصح بالنسبة إلى كل الدعاة الرساليين العاملين في خط النبوة والهداية إلى الله تعالى. فالله سبحانه وتعالى ، يريد كذلك من الشخصية المؤمنة أن تكون الراضية المرضيّة ، لتكون العلاقة بينها وبينه علاقة الرضى المتبادل والمحبة المشتركة.
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) فقد عشت اليتم المزدوج من الأب والأم ، وكنت كأيّ يتيم من هذا النوع ، معرّضا للتشرّد والضياع ، وللجوع والحرمان ، ولكن الله أحاطك بعنايته ، ورعاك بلطفه ، فهيّأ لك المأوى الذي يضمّك بعطفه وحنانه ، حتى نشأت نشأة طبيعية من دون أيّة مشكلة مما يعانيه الأيتام من