ولكننا نلاحظ على ذلك بأن هذه الآية عالجت مسألة السيطرة في دور النبي كرسول ، في ما يملك من أمر الضغط الذاتي الذي يسيطر فيه على عقولهم ليغيّرها بطريقة ذاتية تكوينيّة ، كما يغيّر الأشياء المادية من صورة إلى صورة ، ولم تعالج دوره كحاكم وكوليّ للناس في خط النظام العام الذي يدير به أمر الأمة في كل جوانب حياتها ، على ضوء التخطيط الشامل للشريعة الإسلامية التي شرّعت لكل واقعة ـ مهما كانت صغيرة ـ حكما شرعيا ينظم لها حركتها في الحياة. ولا بدّ للباحثين الذين يريدون دراسة مسألة الحكم في الإسلام ، على مستوى اكتشاف النظرية ، أن لا يكون أسلوبهم هو اختيار ما يناسبهم من الظواهر القرآنية ، بل عليهم أن يدخلوا في دراسة مقارنة لكل الآيات والأحاديث وحركة التاريخ الإسلامي ، ليناقشوا ذلك كله ، لتكون النتائج في حجم الحقيقة الموضوعية المدروسة من كل جوانب البحث المحتملة فيها.
وإذا كانت الآية تؤكد أن مهمّة النبي الإبلاغ والتذكير ليكون هذا برنامجا لكل الدعاة معه ومن بعده ، فإن معنى ذلك أنّ عليه وعليهم الاهتمام بتحسين وسائل التذكير ، وتحريك ظروفه في الخط الموصل إليه ، ثم الإيحاء إليه ، وإليهم ، بأن عليهم أن لا يتعقّدوا من النتائج السلبية التي تحصل من خلال الأسباب التي لا تقع تحت اختيارهم ، في ما يمثله الجمود الفكري ، الذي يصرّ أصحابه على الامتناع عن الخروج عنه ، أو الرواسب التقليدية التي تشد الناس إليها ، فلا يريدون أن يبتعدوا عنها ، وإلى المتغيرات الفكرية المنطلقة من خط الرسالة والرسول. إن القضية التي تحكم الدعاة إلى الله ، هي أن لا يكون ضلال الآخرين ناشئا من تقصيرهم في الدعوة ، ومن إهمالهم للفرص المتاحة لهم ، ومن البعد عن الأخذ بأسباب الثقافات والأساليب التي يمكن أن تحتاجها الدعوة.
* * *