بل هو حالة تتحرك لملاحقة كل الظواهر الكونية والحيوانية من أجل الوصول إلى الأسرار التي تمنح الإنسان المعرفة الإيمانية من موقع النظرة العميقة والفكر الواسع. وإذا أراد الله أن يحاسب الإنسان على إيمانه ، فإنه يحاسبه من خلال أنه يملك الحجة عليه لتوفّر كل عناصرها في الكون ، ففي كل أفق لمعة من لمعات المعرفة الدالة على الله ، وفي كل موجود في الأرض والسماء شاهد على عظمته سبحانه ، وفي كل حوار من حوارات العلم المنفتحة على الحقيقة ، أكثر من نافذة تطلّ على مواقع الإيمان به فليست المسألة مسألة مؤاخذة على الفكر في شبهاته الطارئة ومشكلاته العالقة التي لا يملك لها حلا ، أو على القناعة بما يملك عليها من حجة ، بل هي مسألة قيام الحجة على الإنسان في عقله الذي يملك أن يصل بالأشياء إلى نتائجها الأخيرة ، بحيث يتميز الحق فيها من الباطل ، وفي الوسائل الكثيرة التي يصل ، من خلالها ، إلى مفردات المعرفة ، في ما أودعه الله فيه من الخصائص في عناصر الإحساس من السمع والبصر واللمس والشمّ والذوق ، وفي وحيه الذي أنزله على رسله ليبلغوه إلى عباده ليتأملوا فيه ، وليتعرفوا إلى ما يقدمه من فكر ، وما يخطط له من منهج ، أو يثيره من احتمالات ، أو يكشفه من آفاق ، ليكون التأمل المتعمق في الفكر والبحث السائر نحو الحقيقة ، هما الحجة التي يحتج الله على الإنسان بها ، في ما لا يملك أن يرده أو ينكره.
* * *
(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ)
(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) فتلك هي مهمتك ، أن تطرح الكلمة التي تهز سمع الناس ، لتنفذ إلى عقولهم ، ولتفتح في داخلها نافذة للتفكير في حساب كل تلك الاحتمالات ، ليعيشوا قلق المعرفة في مسئولية المصير ، وأن تحرّك الأسلوب الذي يتفاعل مع فطرتهم ومشاعرهم وتطلعاتهم ، ليثير اهتماماتهم