الكثير مما يمكن أن يحصل عليه من أسرار قوانين نشأة السماء وصيرورتها عبر الزمن المديد في صورتها وتكوينها المادي ، ليستوحي من خلال ذلك ، الإيمان المنبثق من الحقيقة الساطعة التي تفرض نفسها على كل عقل نيّر ، وقلب منفتح سليم ، القائلة بأن وراء هذه الظواهر كلها إلها واحدا قديرا ، ولتستوحي آفاق الغيب في علم الله وقدرته من خلال الجو الغامض الذي يوحي به الحس في النظرة البسيطة والفكرة العميقة.
* * *
جلال خلق الجبال
(وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) على الأرض لتمتد قواعدها في الأعماق السحيقة السحيقة من الأرض ، ولترتفع شامخة في أعالي الفضاء ، مع هذه الضخامة والصلابة اللتين توحيان بالمهابة والجلال ، لينطلق النظر في دراسة العناصر المكوّنة لها ، والظروف المحيطة بأوضاعها ، والقوانين المتحكمة فيها ، والأسرار المودعة فيها ، والمنافع التي تخرج منها ، ليتعرف ـ من خلال ذلك كله ـ إلى مواقع قدرة الله في ذلك ، ويكتشف أنها لا بد من أن تكون مخلوقة له ، ولو تأمل في انتصابها المرتفع فوق الأرض ، لتكون رواسي فيها ، حذرا من أن تميد بأهلها بفعل بعض الاهتزازات والمتغيرات والمؤثرات ، ليعرف أن ذلك كلّه من تدبير الإله القادر الحكيم.
وربما كان الحديث عن الجبال ، في خصوصيتها الوجودية ، لما تمثله من ملاذ وملجأ ومرتع ومنبع ومهابة وجلال وروعة وجمال ، بحيث تثير انتباه الإنسان الذي قد يشغل بالنظرة الساذجة إليها في غفلة الوعي الذي يبحث عن المواقع الخفية للأسرار في ظواهر الكون ، فكانت الالتفاتة القرآنية لتتعمق النظرة فتكون نافذة على المعرفة ، لا ملهاة للنفس.
* * *