لإعمال التأمل والتفكير والنظر ، ليقودهم هذا كله إلى معرفة أسرارها في ما يستطيعون معرفته منها ، وإلى إثارة اندهاشهم من خلال ما يمكن أن يستقرءوه من بعض خفاياها وأوضاعها المعقّدة ، ليكون ذلك أساسا لنظر مستمرّ ، وتفكير دائم ، وليحمل كل جيل إلى الجيل القادم من بعده بعض محاصيل التفكير والمعرفة عنده ، وبعض علامات الاستفهام التي لم يستطع أن يجد الجواب عليها ، ليدفعه إلى الاستفادة من تراث المعرفة ، وإلى البحث عن الأجوبة المفيدة عن علامات الاستفهام ، وهكذا طرح الله ، سبحانه ، على الناس المتحيرين والشاكين والمعاندين والراغبين في الوصول إلى الحقيقة ، ضرورة النظر إلى الإبل وإلى السماء وإلى الجبال وإلى الأرض ، في طريق الوصول إلى الإيمان.
* * *
إبداع خلق الإبل
(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) في هذا الإعداد الوجودي الفريد الذي يتحرك من خلاله هذا الحيوان الصحراوي الذي يسهل لإنسان الصحراء ، أو الإنسان الذي تفرض عليه ظروف حياته أن يقطع الصحراء ، عملية نقله من مكان إلى آخر ، لانعدام أي وسيلة أخرى آنذاك. فقد ركّب الله في هذا الحيوان خزّانا يحتفظ بالماء ليروي ظمأه منه عند ما يحتاج إليه ، ومجمّعا دهنيا يستطيع التغذي منه عند ما يجوع ، كما جعله ذلولا ينقاد لصاحبه ولراكبه ولقائده مع ضخامة جثته وشدّة بأسه ، حتى أنه يخضع للطفل الصغير ، ومنحه الصبر العجيب الذي يتحمل به كل قسوة الصحراء ومشكلاتها الطارئة ، وكل أوضاع الجوع والعطش وسوء الأحوال ، كما أنه لا يحتاج إلى المال الكثير لتغذيته لتيسّر مرعاه بشكل غير مكلف أو معقّد ، إلى غير ذلك من الخصائص العجيبة