صورة الأشقياء يوم القيامة
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) وتلك هي وجوه الأشقياء الذين رفضوا مواقف الخشوع لله في الدنيا ، فلم يستغرقوا في مواقع عظمته ، ولم يعيشوا روحية العبودية في الابتهال إليه ، والصلاة بين يديه ، والانفتاح على آفاق رحمته في مواقف رضاه ، بل استكبروا وعاندوا وتمردوا على رسوله وكتابه ، فجاءت الغاشية ، التي أطبقت عليهم من كل جانب ، فلا يجدون ، الآن ، مجالا للفرار ولا للخلاص ، ليعيشوا الخشوع في أجواء الذلّ والانكسار عند ما يواجهون المصير المظلم في حاضرهم الذي تنتظره جهنم لتحتويهم في داخلها.
(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) في ما توحي به كلمة العاملة من الجهد القاسي المرهق للأجساد الذي بذله هؤلاء في الدنيا ، وكلمة الناصبة التي تدل على التعب والإرهاق ، فقد عملوا وتعبوا وعاشوا الإرهاق الجسدي ، فلم ينالوا من نتائجه المرضية ، لأنهم لم يعملوا لله ، بل عملوا لغيره. ولهذا ، فإن ملامح وجوههم في يوم القيامة هي ملامح الوجوه التي أرهقها العمل وأذواها النصب ، فلا تنبض بأيّة حيويّة ، ولا توحي بأيّ إشراق.
(تَصْلى ناراً حامِيَةً) فتلفحها بلهيبها الذي يغشاها ليحوّلها إلى لون السواد ..
(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي حارة باللغة الحرارة ، لتزيدهم ظمأ كلما حاولوا التبرد بها. (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) قيل : «الضريع نوع من الشوك يقال له الشبرق ، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس ، وهو أخبث طعام وأبشعه لا ترعاه دابة ، ولعل تسمية ما في النار به لمجرد المشابهة شكلا وخاصّة» (١).
(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) لأنه لا يملك العناصر الغذائية اللازمة في إشباع
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ٣٠٩.